"هل تعرف الوزير فلان؟ كان طالبًا في جامعة البترول" " هل تعرف الشركة الفلانية؟ مؤسسها درس معي في نفس الكورس" " الشيخ فلان هل تعرفه؟ هل تعلم أنه خريج الكلية الفلانية من البترول؟" كثيرًا ما سمعت، ولا زلت أسمع هذه العبارات عن أخبار نخب المجتمع الذين تخرجوا من نفس جامعتي. وكرد فعلٍ متوقع، أشعر بالفخر لانتمائي لنفس تلك الجامعة. بل لا أقتصر على شعوري الداخلي بالفخر، ولكنني أتعدى ذلك فأفاخر بهم طلاب الجامعات الأخرى. مع تكرار هذا السيناريو، يصبح سماع تلك الأخبار اعتياديًا وليس مستغربًا. لكن مع مزيد من التأمل والتفكير، يدور تساؤل آخر في ذهني! : " إنني الآن على مشارف التخرج، لقد صُلت وجُلت بين جنبات ومباني الجامعة، درستُ مختلف المواد وعند مختلف المدرسين.لقد حفظتُ الجامعة بكامل تفاصيلها، أصبَحَت جزءًا مني لا يُنسى. الآن! هؤلاء النخب الذين تخرجوا من هنا، هل كانوا فعلًا في نفس مقعدي الدراسي يومًا ما ؟! هل درسوا في نفس الفصول ؟ هل كان لديهم قدرات خارقة تميزهم عن بقية الطلاب ؟ أم أنهم جاؤوا في حقبة زمنية ذهبية مرت ولن تعود ؟!. متأكد أن هناك شيئًا مشتركًا بيننا وهو الدراسة في نفس الجامعة، لكنني متأكد أيضُا هناك اختلافات أخرى كثيرة!". بمزيد من التفكير والمتابعة، أكتشف أن سيل هذه النخب لم يتوقف عبر الزمن. نعم تغيرت أسماؤهم، وربما مناصبهم واهتماماتهم، لكنهم ما زالوا يخرجون للمجتمع ويؤثرون به. أخيرًا أصل إلى الاستنتاج بناءً على ذلك: هذه النخب والعقول موجودة بيننا الآن! الطلاب الذين أتعامل معهم يوميًا ، بل وربما بعض الزملاء المقربين، سيخرج منهم مطقيًا نخب وعقول تصنع التأثير وتقود المجتمع مستقبلًا. هذا هو التفسير الوحيد! أعود فأقلب الأسئلة السابقة عن ماهية هؤلاء الأشخاص، عن قدراتهم التي يتميزون بها، عن أماكن وجودهم ، أين هم ؟! وجدت الجواب بعد مسيرةٍ حافلة في الجامعة، وتعامل مع كثير من الأشخاص، من مختلف الأعراق والمناطق، والتوجهات والأفكار والاهتمامات. الكلام عن قدرات خارقة لديهم، أو عن حقبة زمنية ذهبية مروا بها ، كان مجرد مبالغات. أزعُم أنني عرفت الميزات والسمات التي يتمتعون بها، إنها ليست مميزات خارقة، بل هي في متناول الجميع! لكنهم نجحوا في الالتزام بها ، كل ذلك بعد توفيق الله. أستطيع أن أقول شيئًا قريبًا مما قاله أرخميدس ، أقول : "وجدتهم وجدتهم ! " قد تسألني الآن : وعلى أي أساس تنبأت أن هؤلاء هم نخب المجتمع مستقبلًا ؟ ما الذي يجعلك واثقًا إلى هذا الحد ؟! فأقول لك : بالتأكيد لا أعلم الغيب، ولا أستطيع أن أجزم بذلك قطعًا، لكن كما يقولون يا صديقي : " لا يوجد دخان بلا نار" . حكمت بذلك بناءً على معطيات مشاهدة. هذه النخب التي تجادلني فيها، قد بدأت بنجاحاتها من الآن! لقد قاموا بمبادرات، بدؤوا بمشاريع، فازوا بمسابقات....الخ . لقد فعلوا الكثير من الآن. وأظنك وأنت تقرأ كلامي هذا، قد قفزت إلى ذهنك بعض الأسماء ممن تعرفهم من الطلاب. ثم ماذا؟ هل كتبتَ هذا الموضوع الطويل لتخبرنا بأنك وجدتهم؟! بالطبع لا، سأدخل الآن في عرض الموضوع الأساسي، متحدثُا عن السمات المشتركة بين هؤلاء بالاستقراء. ومن توفيق الله لي أن بعض من أعتقد أنهم من هؤلاء هم من الأصدقاء المقربين، مما سهل علي اكتشاف هذه السمات وتحليلها عن قريب، ثم الاستنتاج والحكم الأخير. سأبدأ بذكر هذه السمات، وهي بطبيعة الحال نسبية ومتفاوتة من شخص لآخر، لكن هناك قدرًا جيدًا من وجودها لدى جميعهم. 1) قدرٌ عالٍ من تنظيم واستغلال الأوقات طبيعة جامعة البترول تضع (كل طالبٍ) فيها تحت ضغط ضيق الوقت، وكثرة المطلوبات، وتزاحم المهام. لاحظ ما كتبته بين القوسين ( كل طالب) ، مما يعني أن هؤلاء النخب الذين أتحدث عنهم يقعون تحت الضغط أيضًا. لكنهم نحجوا وتميزوا عن غيرهم في تنظيم الوقت واستغلاله، والالتزام بخطط وضعوها، فمجرد وضع خطط شكلية بلا التزام يحسنه كل أحد. أؤكد لك بأنهم لم يعتزلوا الحياة ويعتكفوا في صوامع من أجل تحقيق أهدافهم، بل عندهم جانب ترفيهي، واجتماعي، ورحلات وطلعات، فنجحوا بذلك في الموازنة بين حاجة البدن والعقل والروح. 2) "الصملة" ! الضغط سنة بترولية، تتفاوت شدتها بين سنوات الجامعة، لكنها لا تفارق طالب البترول في مسيرته الدراسية، حتى أن بعض المصطلحات قد ذاعت وانتشرت بين الطلاب، وتم اعتمادها في قاموس المصطلحات الخاص بالجامعة، منها (الميجرزم) و (الفاينلزم) اللتان تعبران عن حالة نفسية مضطربة تصيب طالب البترول في مواسم الاختبارات، تنتج عنها تصرفات غير متزنة. تفريغ الضغط أو (التنفيس) يأخذ صورًا وأشكال متعددة، وهي بطبيعة الحال ليست عيبًا إذا ما كانت في حدود المعقول، بل يُنصح بها لسلامة النفس والجسد. هذه الحالات مشاهدة بوضوح بين جميع الطلاب، وتُعرف أحيانًا بـ (الحلطمة)، لا يكاد ينجو منها أي طالب علا أو هبط. إذًا ما الفرق بين عامة الطلاب وبين هؤلاء النخب في هذا الجانب ؟ الفرق قد لا تلاحظه وسط ضجيج الحلطمات ، فالكل يقوم به. لكنك لو ركزت لوجدت أن هذه النخب تقوم بعد وقت قصير بالانسحاب بهدوء من المعمعة! تلتقط أنفاسها، وتواجه الواقع، فتقوم بوضع خططها بناءً على الوضع الحالي، وتجاهد نفسها للالتزام بذلك، فتوفر على نفسها الجهد والوقت فيما يضر ولا ينفع. ثم ماذا تكون النتيجة في النهاية؟ لقد مررتَ أنت وهو بنفس الظروف تمامًا، وربما تدرسون نفس المادة وعند نفس الأستاذ. الفرق أنه بعدما مارس الحلطمة باقتصاد، انسحب وتوجه للمهم، بينما أنت لم تستفق من ذلك إلا في وقت متأخر، هذا إن استفقت ! 3) تميز في مهارات التواصل والعلاقات من بين جميع الطلاب معك في الفصل، يلفت شخص أو اثنان نظرك (لا إراديًا)!. قد لا تلاحظ هذا في المواد العامة التي تلتقي فيها بمجموعة من الطلاب لفصل دراسي واحد ثم تفارقهم للأبد، لكن عينك لن تخطئ هؤلاء في مواد التخصص خصوصا في السنوات الأخيرة، حيث تزداد احتمالية التقاءك بنفس المجموعة من الأشخاص، فيكون احتكاكك بهم على مدى طويل. لا تبرز هذه النخب بشكل متصنع ولا مبتذل، بل على العكس فإن النفوس تأنف هذا النوع من الناس، لكن يبرز هؤلاء بحسن تعاملهم مع الزملاء الآخرين، والتفنن في مساعدتهم، يتميزون بالعطاء للآخرين دون منة ولا تأفف، لكن بالمبادرة وطيب النفس. لا يتبع هؤلاء فلسفة : "إن لم تكن معي فأنت ضدي" في التعامل مع الآخرين ، بل تجدهم في علاقة طيبة مع جميع من في الفصل، على تفاوتٍ طبعًا في مستوى العلاقات كطبيعة بشرية، لكن المهم ، أنهم لا يخسرون أحدًا . بذلك استطاعوا تكوين العلاقات على أوسع المستويات، فلم يكتفوا (بالروميت) ولا صديق المرحلة الثانوية فحسب. 4) تعدد الاهتمامات والقدرات يندر جدًا أن تجد من بين هؤلاء من كرّس حياته الدراسة وحصر قدراته وأوقاته بين الكتب الدراسية لأجل الدرجات والمعدل. بطبيعة الحال لكل مجتهد نصيب، ومن زرع في مجال سيحصد فيه، وربما يكون المعدل الدراسي هو المقياس الأول في تحديد مستوى نجاحك الجامعي –وهذا محل نقاش دائم بين الطلاب- ،لكن دعني أقول لك بكل ثقة: هذا ليس كل شيء! المعدل الدراسي هو مفتاح من مفاتيح المستقبل بعد الجامعة، لكن هناك مفاتيح أخرى كثيرة يغفلها الكثير. بالعودة للحديث عن هؤلاء النخب، لا تجدهم فقط بين الكتب الدراسية، بل تجدهم في الفعاليات الخارجية، والنشاطات، والمسابقات، والمبادرات، تجد يتثقون في غير تخصصهم حتى برعوا فيه، وقد تجدهم بدؤوا في مشاريع تجارية صغيرة..... الخ . كل هذه مفاتيح للمستقبل، لكن سر النجاح في ذلك ليس التعدد والكثرة فحسب، بل قد يكون ذلك مشتتًا ، لكن السر هو في الموازنة وتحديد الأولويات. -------- ختامًا، هذه بعض المشاهدات الشخصية، وكما ذكرت فالالتزام بهذه السمات يتفاوت نسبيًا بتفاوت الأشخاص.. أخيرًا أقول : إن تكاسلت عن فعل كل ذلك أو بعضه ، فلا أقل من أن تحيط نفسك بهؤلاء، فالنجاح معدٍ ومحفّز وفقني الله وإياكم ..
كلامك صحيح، التميز يبان من الصغر، وصدقت في آخر جملة، لما يكونوا الي حولك مميزين، هالشي أكيد رح يأثر عليك إيجابا مميز
استمتعت كثيرا بقراءة كلامك , بالفعل موضوع مميز اهنيك على الطرح أتمنى نشوف مواضيع اكثر مثل كذا فيها فايدة ومتعة في نفس الوقت
وأنا سعدت بإشادتك وأتمنى ذلك أيضًا، فالكثير يملك خبرات ووجهات نظر لا يٓنقصها شيء سوى أن تُطرح هنا لتثري وتُفيد
بدلا من النظر إليهم على أن هؤلاء الأشخاص هم من نتاج الجامعة هم كان أشخاصا ذو قدرات كامنة، اختاروا الجامعة وتخرجوا منها.
فعلًا لم أُشر إلى أنهم من نتاج الجامعة حصرًا .. جُلّ ما قصدته هو أنهم كانوا يومًا ما في الجامعة، وتخرجوا منها وعلى كل حال فمن الصعب إنكار ما تقدمه لجامعة (لأي طالب فيها) من خبرات ومهارات وصقل للمواهب أشكر لك مرورك وإثراءك ..