::.::.:: بــقــايـــا الـــذكـــريــاتــ ::.::.::

الموضوع في 'حياة طالب' بواسطة بقايا الذكريات, بتاريخ ‏16 ابريل 2013.

  1. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله


    في حيرة من أمري
    ماذا أبدي و ماذا أخفي
    بم أبوح و ما أكتم
    سنين من الصراع مع النفس
    قد يبتلي الباري سبحانه ذي العشرين فيعيش في عشرين سنة مئة سنة من الأحداث
    و قد يبتليه فلا يعيش إلا عشرينه أو أقل


    يستغرق الإنسان أحياناً منتظراً نتيجة ما
    فيهلك نفسه بالتأمل بتفاصيل النتائج التي يخشاها
    و كل زاوية من زوايا لحظات الإنتظار
    و تصير الثانية ساعة
    فلا يلبث إلا أن يتداركه الباري بنعمته


    نعم الله على عباده لا تعد و لا تحصى
    بيد أننا نحب العاجلة
    و كم أرهقت النفس على ضعفها بالتدبر في النتائج التي لا أريد و التي أريها النفس قاب قوسين أو أدنى
    فينعم علي الباري من حيث لا أعلم بخير مما أتمناها من غير ما كسبت يداي


    لست في موضع موعظة
    لكن هذه هي الحياة


    محدثكم عضواً منذ العام 2006
    اخترت أن أكتب بغير اسمي
    كي أجد حرية أكثر في الحديث
    أسطر بقايا الذكريات في صفحات


    سبع سنوات في الجامعة
    مررت بها و مرت بي بها أحداث أخالها أثرَت نفعاً أسأل الله أن يعم
    خواطراً خلَّدت خلجات و خلجات
    أحداثاً تركت أثراً في النفس
    شخصيات تراحلت و ما زالت طيفاً يزاور العينين


    الحياة الحب
    و الحب الحياة
    من يبني حياته على الحب يهنئ في الكثير الكثير من لحظاتها
    يعيشها يحفرها في ذاكرته
    يتلذذ بكل ثانية فيها
    كل نسمة تمر على المحب معطرة
    و كل صورة هي صورة لمحبوب
    لكن
    معذرة نيابة عن الحياة للمحبين
    فكم واجههم الخلق بعنف مادية الحياة


    الحياة مليئة باللحظات العطرة
    عجبي أنها لا تلبث في الذاكرة كثيراً
    أمن قصرها ؟
    قلتها ؟
    أم من هول خلافها ؟
    قد ينعم الله على المرء بنعمة النسيان
    و قد يبتليه بذاكرة لا يُمحى منها ما يتمنى الإنسان أن لو نساه


    قد يصعب علي أن أقتصر على الحياة الجامعية و سأحرص على الإقتصار فمعذرة على الإستطرادات مقدماً
    أتمنى أن لا أغلب جانباً على آخر في الصفحات التي أكتبها و أقدمها لك
    كم أنا مؤمل أن تكون في بقايا الذكريات هذه نافذة لي و لكم على أمل

    لا أريد أن أطيل في المقدمة
    بيد أن كل صفحة أكتبها قد تكون مقدمة
    فالحياة سلسلة
    و الأمس مقدمة لليوم
    و اليوم مقدمة للغد



    و لنا لقاء بعون الله
    :وردة:
     
    • x 1 إعجاب إعجاب
  2. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    الإلتحاق بجامعة البترول 1


    لم يكن يخطر بالبال يوماً من الأيام أنني سأكون من خريجي جامعة الملك فهد للبترول و المعادن، بل أبعد من ذلك... ما كنت أتمنى أن أكون طالباً فيها لما كنت أسمع و أرى في أفق ضيق و تبدل الرأي لما اتسع
    أحدهم ... أعرفه عن قرب، تخرج من جامعة الملك فهد للبترول و المعادن، تخصص هندسة بترول، استغرقت دراسته في الجامعة قرابة السبع سنوات، تخرج عام 98 على ما أذكر و جلس ما يقارب السنة يبحث عن فرصة عمل، وجد فرصة العمل، في شركة أجنبية، أذاقته الأمرين، و بعد تسعة أشهر و بطريقة ما بلغه أنهم سيحولونه من مهندس إلى موظف عادي و عليه أن ينسى شهادة البكالوريوس في حال رغب بالاستمرار في الشركة، بعد محاولات و محاولات، و شكاوى و قضايا، يستقيل الرجل مقابل مبلغ لا يتجاوز الأربعين ألفاً ليقضي سنة أخرى يبحث فيها عن عمل
    و آخر دخل جامعة البترول، تخصص هندسة كهربائية و ما زال الرجل يقاسي و يعاني من التخصص المكهرِب كما يقول، تعثر في الجامعة، حاول أن يغير تخصصه بعد ما يقارب الثلاث سنوات، و لا أعلم ما جرى على صاحبنا بعد ذلك
    و ثالث ... يدخل إلى كلية المجتمع بغية أن يلتحق بالبترول، أسمعه يحكي عن الرياضيات التي يدرسونها في كلية تعد ملحقاً للبترول، عجب عجاب، مسائل لا يقدر على حلها حتى المعلمون أنفسهم! و بعضهم لا يقدر أن يشرح دون أوراقه التي لا تنفك من يده من صعوبة وهول المنهج !!
    قصص و شكاوى ملأن قلبي و مسمعي، كلها تنفر من الجامعة
    و لا أنسى يوم أن مررت مع أخي الأكبر على الجامعة يوماً من الأيام متشبعاً بما يوقولون
    ليقول لي و لا أعلم ما الدافع حينها ، أتحفيزاً أم تنفيراً متأثراً بما سمعه مثلي ؟، " هذه جامعتك !! "
    فأتعوذ من الشيطان الرجيم في ذلك الوقت ملتفتاً إلى يميني صارفاً نظري عن الجامعة التي كانت على يساري حينها .. لا أقولها مبالغة
    بطالة أحدهم، و مأساة آخر، و أحلام الثالث التي ماتت قبل أن تحيا كافية للتنفير من الجامعة ، و لعلي أذكر مستقبلاً أسراراً تبدَّت لي عن هذه الشكاوى تبين لنا حقيقة بعضها

    و تمر الأيام
    في المرحلة الثانوية، يتداول كثير من الطلاب و المعلمون قصص طلاب تخرجوا بمعدلاتهم التسعينية و لم يجدوا من يقبلهم حتى الكلية التقنية !
    فالأمر لم يعد مرتبطاً بالشهادة فقط، بل بالقدرات و التحصيلي كذلك
    و بعضهم دخل الجامعة، لكنهم لم يدخل التخصص الذي يريد بسبب واحدة من درجاته الثلاث
    كثير من هذه الكلمات التي كنا نسمع عند نسيان كتاب أو واجب أو تأخر على دخول الفصل أو حتى بعض مجالسنا الطلابية عندما يتكلم أحدهم عن أخيه الذي تخرج قبلنا بسنة أو سنتين كانت تشكل لنا ما بين محفز للدراسة متعظين بغيرنا أو كلمات تحبيط و تثبيط، فالخطب جلل كما يصفون !
    كنت أجتهد قدر الإمكان بالدراسة، فلست بصاحب الذكاء الخارق، و لست بذلك الكسول الذي يكره الدراسة
    نتواصى فيما بيننا و نشجع أنفسنا و نحن ما زلنا طلاباً و نتساءل فيما بيننا عن أي جامعة يريد كل منا

    محدثكم كان يريد كلية الطب ...
    و لاختياري لهذه المهنة أسباباً أذكر بعضها
    أذكر أني زاملت فتىً، كان من خارج المنطقة التي نسكن و ندرس فيها و أبوه جاء للعمل كطبيب
    كان يحدثني عن بطولات أبيه، الذي يتقاضى راتباً تجاوز الثماني و العشرين ألفاً و يتكلم أكثر من لغة و لديه أبناء كثُر .. بل و إخوان كُثُر
    لكنه كان سبباً من أسباب و لم يتجاوز معي المرحلة المتوسطة
    من تلك الدوافع ... مكانة الطبيب في المجتمع ... فيده البيضاء التي لا تخفى على أحد تجعله رمزاً للعطاء و البطولة و الخير في أعين الناس
    و لا تقارن بمهندس ينتج البنزين ... بل و حتى الماء المحلى ... أقولها في ذلك الحين مقنِعاً بها نفسي
    كنت كثيراً ما أتخيل نفسي .. بنظارتي الطبية التي قررها علي الطبيب منذ طفولتي و الفضل يعود لأتاري العائلة و السيقا " sega " الذي أدمنته أعواماً، و الزي السعودي الرسمي و المعطف الأبيض و السماعة في عيادة في المستشفى الكبير الذي اعتدت على مراجعته و الناس تتوافد على عيادتي
    أمٌ و طفلها، يدخلان العيادة، تشتكي لي الأم مرض الابن، فأكتب لها الوصفة العلاجية، فتنصرف و ابنها داعيةً لي
    صورة كنت أتمنى أن أعيشها واقعاً


    و لنا لقاء بعون
    :وردة:
     
    • x 1 إعجاب إعجاب
  3. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    الإلتحاق بجامعة البترول 2

    كنت أعلم أن الدخول إلى كلية الطب أمر ليس بالهين
    فالجامعة التي أريد لا تقبل إلا قرابة السبعين طالباً و المنافسة عليها من كل أنحاء المملكة
    و اشتد الجهد بعد أن علمت أنه من الدفعة السابقة لم يدخل كلية الطب من مدرستنا إلا طالباً واحداً !

    كنا نتحدث عن طموحاتنا و كأننا نعلم الغيب، و كأنها حلم نجزم أنه سيتحقق، حتى أننا نستغرق في الحديث و النقاش في بعض التفاصيل الدقيقة
    البعض كان يخفي ما يرنو إليه رغم تفوقه الدراسي و يقول لا أعلم رغم أنه كان من أقرب الزملاء و لا أردي ما السبب
    شيئاً لا زلت أذكره ... في الصف الثالث الثانوي ... تغيرت كثيراٌ من الطباع الفطرية التي اعتدنا عليها
    أصبحنا نتوجس من بعضنا خيفة
    تغير أسلوب الكلام المرِح مع بعضنا و لم تعد هناك جلسات حبية تخرج عن إطار التكلف و الرسميات
    صرنا و كأننا نهرب من بعضنا البعض
    لم يعد هناك " طلعات " كما اعتدنا و لا اتصالات و لا شات
    لم نعد نتقابل خارج المدرسة كما كنا

    الكل صار مشغولاً
    أثَّر الأمر بي كثيراً بل و أثر سلباً في مستواي الدراسي
    أصبح البحث عن التفاوت في المستوى الدراسي داعياً للفرقة و البعد
    بعد أن كنا نُخبر بعضنا بكل ما فيه خير لنا، أصبح كل شيء سراً
    الدورات التي قد تفيدنا في أساليب المذاكرة أصبحت سراً و تقصيرٌ منك أن لم تعلم
    دروة مجانية في اختبار القدرات أخفاها البعض عن الآخر ... فالمقاعد محدودة كما برروا ... و رغم دخولي بالواسطة في اللحظة الأخيرة .. تفاجأت بنصف زملائي هناك !!
    كتاب مبسط للرياضيات و فيه من المسائل الكثير المناسب ... فور وصوله إلي في الفصل الثاني روجت له من باب أن تعم الفائدة
    أتفاجأ ... أن كثيراً منهم به يعلمون بل و منه يدرسون من الفصل الأول
    ما الذي تبدل ... هل المنافسة على مقعد في الجامعة يدعو إلى ذلك ؟!
    أليس الرزق مكتوب من قبل أن نلد !؟
    و بعد انتقال كثير من الزملاء الأعزاء إلى مدارس أهلية مع بدء السنة الدراسية
    أُلُزمت نفسي على قضاء كثيرٍ من الأوقات وحيداً إلا في بعض الفترات مع طلاب تجمعني بهم مجاورة في الحي أو معرفة قديمة
    مرت الأيام بطيئة جداً
    كنت اجتماعياً في طبعي
    تعودت مع الأيام على الانفراد بالنفس و الجلوس لأوقات طويلة وحيداً
    أعجبني الهدوء و التفكير في البعيد
    أدمنت الرسم ... كان يشغلني عن المذاكرة ... أعطيه ... بل يأخذ مني ما يقارب الساعة يومياً ... و بقلم رصاص فقط
    بل وصل بي حب الرسم ... إلى هواية جديدة ... الرسم و الكتابة على جدران غرفتي !!
    اتسع معي الأمر ... ملأت الجدار الأول .. انتقلت إلى الجدار الآخر مع الوعد المنتهي بصبغ الغرفة بعد نهاية السنة الدراسية

    كانت نافذة الحجرة كالمتنفس الوحيد إلى ما دون المذاكرة، أقضي فيه دقائق أهون عندي من فتح باب الحجرة الذي أقضي فيه ساعات و قد لا أعود للمذاكرة
    كانت تطل على أرضٍ فضاء و بجوارها عمارة بنيت قريباً
    الشقق فيها صغيرة جداً كما يبدو من عدد العوائل الساكنة، و النوافذ كذلك، و ذات مستوى متدنٍ في البنيان جداً يحزن الناظرين جعلها كأم العشرين سنة
    أحد ساكنيها استغل الأرض الفضاء، أنشأ فيها مجلساً، أشبه بالمقاهي الشعبية، و كأنها ملك له، و لا يحلو له الجلوس إلا بعد الثامنة مساءً، وقت أَشُد المذاكرة ، تطورت الأمور، أخرج الرجل سلكاً طويلاً من شقته الأرضية، أحضر ستيريو كما يسمى، ليقضي ليله صخباً متجاهلاً الحي الذي يسكن فيه و ساكنيه
    أغلقت النافذة، عندي اختبار أحياء، يحتاج لقوة حفظ و تركيز، جلبة و صخب، لعله يغلق المسجل بعد دقائق، الأمور بدأت تؤول للأسوأ بعد أن بدأ النوم يطرق علي الباب و لم أنه المقرر
    قررت النزول إليه، سلمت عليه عرفته بنفسي بينت له الأمر، امتنع في بادئ الأمر حيث أن أحدً لم يكلمه إلا أنا !، أغلق المسجل بعد تلميح بالشرطة، عدت إلى الغرفة لأكمل المذاكرة، دقائق و عاد الضجيج من جديد
    فتحت النافذة المطلة على الأرض الفضاء ناديته كان يتجاهل و كأن صوت المسجل أعلى من صوتي
    و كل ما قام به هو لمس المسجل و كأنه أخفض من الصوت
    قررت الاستسلام للنوم من بعد صراع معه... أعني مع النوم
    كنت أعشق مادة الأحياء، لا سيما أنها الأقرب للطب، استيقظت الفجر أكملت المذاكرة و لله الحمد
    أبدعت في الاختبار على غير توقعي، رغم المذاكرة المتقطعة، فتوهمت حينها أني خلقت لكي أكون طبيباً !

    كانت تمر أيام الثالث الثانوي بطيئة سريعة
    كلمات فيها كانت تخلد في القلب بثقل الجبال، ما بين محبط و محفز
    بعض المعلمين يعاملنا كأبنائه، يتكلم معنا كالرجال، أحدهم كان ينادي الطالب المجتهد فلان بـ" يا باش مهندس " بعد أن علم أن طموحه الهندسة
    و بعضهم يكفيك من تململه من التدريس و عبوسه أن يفتح لك نافذة على إحباط بوجه متشائم و كأن الطالب أجرم بحقه
    الكل كان يتكلم عن المستقبل
    و كأنه إما جنة أو نار

    الحديث جله كان يدور عن مادة الرياضيات ... المادة التي كنت أتجرعها و لا أكاد أسيغها
    حتى معلم التوحيد ... يتحدث عن الرياضيات التي تمثل ست درجات في التراكمي
    يدخل معلم الرياضيات.. رجل مسن مصري... قصير القامة بدين ... يحمل حقيبة ممتلئة ثقيلة .. لم أره طيلة السنة يخرج منها غير دفتر التحضير و أقلام الكتابة... من جيب جانبي ... مع ذلك كانت تكاد تنفجر من هول ما ازدحم فيها... كنا نتسابق لحملها عنه بعد الدرس تحت عينه، و أذكر أنه في نهاية السنة كان ينساها أو بالأحرى يتناساها فيرسل أحد دوافير الصف ليحضرها من غرفة المدرسين ... الغرفة التي كلما دخلها الطالب سكت المدرسون ... و كأنهم كانوا يتحدثون عنه باسمه !
    كان الرجل قد تكالبت عليه هموم و هموم مع بداية السنة و أهمُها إنهاء عقده و ترحيله إلى مصر
    و مشاكل أخرى كان يذكرها لنا في الخطبة الأولى من كل درس و التي اعتدنا عليها منه كمحفز للتركيز في الرياضيات
    أهمها ابنته التي تخرجت العام و لم تستطع دخول كلية الطب لأنها نقصت درجة في الرياضيات و درجة في الكيمياء... و درجة في التفسير


    و لنا لقاء بعون الله
    :وردة:
     
  4. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    عزيزي القارئ
    أكتب غير مستقر
    و أسأل الله القرار قريباً
    قد يبدو ذلك جلياً من كتابتي و بعض البعثرات فيها
    أقتبل بصدر أكثر من رحب الإنتقادات و الإرشادات


    :وردة:
    :وردة:
     
    • x 1 إعجاب إعجاب
  5. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    الإلتحاق بجامعة البترول 3

    معلم الرياضيات ... لم يكن مجرد معلم ... كان خطيباً بارعاً كذلك
    تحمر وجنتاه تبِينُ أضراسه تجحظ عيناه تتحرك يداه، ترغيب و ترهيب، كنا نتسلى بأسلوبه في الشرح
    نضحك أحياناً من بعض انفعالاته اللامتوازنة
    فيغضب و يطيل الخطبة مرتجلاً عن الجدية في الحياة
    و نتأثر ببعض المواقف التي تقذف بها ذاكرته المزدحمة أحياناً
    كان دائماً يتحسر على أجيال مضت وينعتنا بجيل آخر الزمان ... و جيلٌ تقوم عليه القيامة
    تقصيره بسبب بعض ما أصابه من هموم ذكرتها سابقاً إضافة إلى التضييق عليه في الدروس الخصوصية لنظام صدر حينها كان واضحاً


    اقتربت امتحانات الفصل الأول
    جدولت ما أنوي مراجعته
    الكيمياء أولاً، ثم الفيزياء، ثم الأحياء فالرياضيات
    الامتحان الأول في الجدول كان كالعادة ... الرياضيات
    ارتكبت أخطاء كارثية ثلاث أثناء الاستعداد للاختبارات، و هي مراجعة المواد العلمية قبل البدء بمذاكرة الرياضيات و التركيز على النظريات دون المسائل و السهر
    ما زلت أذكر أني لم أبدأ بمذاكرة الرياضيات إلا والعقل منهك من الفيزياء و الكيمياء و الأحياء و الذاكرة شبه ممتلئة
    و الصحيح أن أبدأ بمراجعة الأهم و متى ما انتهيت أبدأ بغيرها ثم أراجعها في يومين على الأقل قبيل الاختبار
    لكني وقعت في مشكلة ترتيب الأوليات
    و هي ما أخالني لم أتعرف عليها و أتقن جزءً منها إلا في وقت متأخر من الحياة الجامعية
    و النقطة الأخرى في طريقة المذاكرة أنه كان الأهم حينها أن أحل العدد الأكبر من المسائل للمرور على القدر الأكبر من الأفكار، و هذا الصحيح في التعامل مع مواد كالرياضيات، لا الاكتفاء بحفظ القوانين و التعريفات و النظر في المسائل المحلولة مسبقاً
    أما السهر فكنت في الأسبوع قبل الامتحانات أنام بعد الفجر و لا أستيقظ إلا قبيل العصر و هذا ما لم أعتد عليه


    دخلنا الاختبار، و كانت الكارثة، العقل منهك، لم أعتد على تحريك يدي في حل المسائل و هذه نقطة مهمة، و لم أأخذ قدراً كافٍ من الراحة
    انتهى نصف الوقت و لم أحل نصف الامتحان
    بقي ربع الوقت و لم أنجز الكثير
    بدأ المعلم يتفقد أوراقنا و أداءنا ممثلاً أنه يتأكد من كتابة الاسم على كل الورقات الثلاث
    مر على ورقتي، رأيت الصدمة على وجهه
    سؤال نطقت به عيناه: ما المشكلة ؟
    ابتسمت من حيرة ... حتى أنا لا أعرف ما المشكلة
    همس بالمصرية: " صُحابك عاملين كويس "
    و ليته لم يهمس
    أجزم أنه أراد أن يشحذ همتي لألحق بركب من أجاد الحل من الطلاب، لكن ما حصل هو أنني أغرقت نفسي في بحر من اللوم في وقت غير مناسب
    أنا من لم يذاكر ... الامتحان سهل و الدليل أداء الطلاب الجيد ... طريقة مذاكرتي كانت خاطئة ...حاولت أن أملاء الفراغات المخصصة للأجوبة و لو بحل أعلم أنه خاطئ ... عصف ذهني ... لا يفيد ... أتذكر القوانين جيداً و التعريفات ... بل و أذكر أين كُتبت على اليمين أم الشمال .. لكن كيف أستخدمها
    انتهى الاختبار ... بعض الطلاب يتشبث بورقته لا يريد تسليمها و يطلب و لو ثانية واحدة ... أما أنا فأذكر أني سلمت الورقة بكل سلاسة... بل قبل أن يلتفت إليَّ المراقب... خرجنا من القاعة ... اجتمعنا عند بابها ... كل يندب حظه و يتمنى أن لو، حتى من علمت فيما بعد أنه أخذ الدرجة الكاملة
    بدأنا بمراجعة الأسئلة ... كانت الصدمة كما قال أحدهم مشابهة لأسئلة المراجعة التي أعطاهم معلم الرياضيات في التقوية و وافقه ثانٍ و ثالث
    عجيب ... كنت أظن أن التقوية لمن يخشى الرسوب فقط !!
    تهربت من حلقة المراجعة تلك، أحتاج إلى عزمٍ في المواد الأخرى لا أريد أن يتهاوى في المراجعة التي لن تسمن و لن تغني من جوع
    أقنعت نفسي أن درجتي لن تكون أقل من 25 من 30 بطريقة ما، و أغلقت باب التفكير فيها
    نسيت الامتحان تماماً


    حاولت تدارك خطأ السهر و طريقة المذاكرة في الأحياء و الفيزياء و الكيمياء و ركزت على المسائل
    جاء امتحان الأحياء و مرت الأمور على ما يرام لمحبتي للمادة أولاً و لمعلمها الموسوعي الذي كان يلزمنا بلقط كل كلمة يلقيها
    و امتحان الكيمياء التي كان قد ركز معلمها على حل مسائل الكتاب معه قبل الامتحان مما أعطانا ثقة في الحل و رسوخاً لطريقة التعامل مع المسائل الكيميائية
    الفيزياء كان معلمها ممن يقتنص الزبدة اقتناصاً و قد استوعب و حفظ المنهج ، مما جعل أسئلة الاختبار محصورة في الأفكار التي كنا ندونها معه
    مرت الاختبارات و انتهت و استعادت ذاكرتي يوم اختبار الرياضيات
    عدت لمحاسبة النفس و الغليان
    أيام قلائل قبل استلام الشهادات قضيتها ممزوجةً مزجاً غير متجانس بين لهو و مرح مفرط و حساباً و سؤالاً عن الرياضيات و تأثيرها على المعدل و دخول الجامعة


    حان يوم استلام الشهادات للفصل الأول
    ذهبت أجُّر الخطى لم أنم الليلة الماضية
    دخلنا القاعة المخصصة لتوزيع الشهادات
    قاعة كبيرة جداً ... و باردة جداً
    جئت في وقت مبكر
    المعلمون موزعون على أرجائها متناثرون
    تتقدمهم الكراسي التي يجلسون عليها طاولات صغيرة و قد علق عليها ورقة كتب فيها الصف و الشعبة
    ثالث ثانوي ج كان ما أبحث عنه
    الطاولة فارغة
    قيل لي انتظر الإستاذ فلان سيأتي
    معلم محبوب جداً أوكلت إليه مهمة توزيع الشهادات
    لكني لا أطيق ثانية من صبر
    جلست على كرسي بجانب طاولته
    كدت أن أقلب الشهادات بنفسي من فرط القلق
    جاء الأستاذ الذي سيعطيني الشهادة
    أقبل فقمت إليه و صافحته بوجه مكفهر لُمتُ عليه النفس بعدها كعادتي
    الرجل محبوب جداً و تملكني به علاقة جيدة
    لكني لم أعد أملك حينها فسحة في البال أو طاقة لابتسامة
    صُرِفَت في سَهَرٍ أو قَلِقٍ



    و لنا لقاء بعون الله:وردة:
     
  6. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    الإلتحاق بجامعة البترول 4

    سألني السؤال الروتيني المعتاد عن الحال " كيف حالك "
    أعلم حينها أنه سؤالٌ ذو جوابٍ معلومٍ مُسبقاً نصه " بخير " و إلا لأجبت بما يعبر عن حالي حينها
    بدأ الرجل يبحث في الشهادات
    وجد شهادتي ... بدأت عيناه تتراقصان تأملاً في شهادتي
    و لولا علمي بمحبته و حرصه على الطلاب لمنعته خشية أن يرى ما لا أحب
    فجأة ... ينظر في منتصف الشهادة تقريباً ... قصفني الرجل بأفأفات ثلاث ... أُف أُف أُف ... كدت أن أنهار حينها
    فجسدي المرهق من أسبوعَي الامتحانات و السهر و القلق و محاسبة النفس لم يعد يقوى على أي صدمة


    مد لي الشهادة ... و قال راجع الأستاذ فلان معلم الرياضيات... لا بد أن يريك ورقتك
    أخذت الشهادة ... بحثت عن مادة الرياضيات ... وجدتها ... 19 من 30 ... يا الله
    يا الله ... هل كان حلي سيئاً لهذه الدرجة ؟ هل كان الخلل في مذاكرتي أم فيَّ ؟ ألم يخبرني معلم الرياضيات أن الطلاب أدووا أداءً جيداً
    19 من 30 ؟؟

    تذكرت حينها أني قرأت في أحد المواقع أنه من شروط دخول كلية الطب أن لا تقل درجات المواد العلمية عن تسعين !!
    لا أذكر أين قرأتها
    بدأت أحدق في الدرجة
    و أُسَائِلُ الأرقَامَ أَن تَتَبدَّلَ
    الطب الطب
    لم أنظر لأي مادة أخرى
    أخذت الشهادة و بدأت أبحث عن معلم الرياضيات ... أسأل المعلمين عنه ... كلهم لا يعلم و بعضهم قال أنه لم يحضر ... بدى لي أنهم "يصرفونني"
    ذهبت لغرفة المعلمين ... مقفلة لا أحد فيها مظلمة
    خرجت من المدرسة ... إلى موقف سيارة المعلم المعتاد ... سيارة معلم الرياضيات موجودة
    عدت لداخل المدرسة ... قابلت أحد المعلمين سألته ... قال مبتسماً " تعال بكره " ... يا للسخف ... تصريفة قديمة ... غير مبالٍ بالشعور
    ذهبت إلى غرف الإدارة ... المدير غير موجود ... الوكيل موجود ... دخلت على الوكيل الذي تربطني به علاقة لا بأس بها على مر الثلاث سنين .. رغم أنه كان يسميني طيلتها جابر إذا قابلته .. و لا أعرف من هو جابر هذا حتى اللحظة
    دخلت عليه ... سلمت ... سألني عن الشهادة ... قلت له أني أبحث عن معلم الرياضيات فلان لأراجع الامتحان... أشار لي على حقيبته المتخمة الموجودة بقرب طاولة الوكيل كدليل على أنه سيعود و قال : للتو كان هنا، سيصور أورقاً و يعود
    انتظرته ... أخذت أتأمل في الشهادة... الدرجات الأخرى جيدة .. الكيميا ... الفيزيا ... الأحيا ... الأنجليزي ... لم هذه المفارقة في الرياضيات ؟
    لعله خطأ في التصحيح
    دردشات مع الوكيل الذي كان يريد أن ينسيني الشهادة و هم الامتحانات
    أخبرته أن الدرجة قد تمنعني من دخول الطب فواساني ببضع كلمات و أن المعلومة قد لا تكون صحيحة
    حدثني عن أحد زملائه الذي درس الطب و ما لبث أن سلك المسلك الأكاديمي من شدة الإرهاق في عمله
    يريد أن يواسيني مسبقاً إذا لم أقبل في كلية الطب


    جاء معلم الرياضيات ... التقط حقيبته يريد الانصراف ... قال له الوكيل ... فلان يبغى يراجع الدرجة ... و للمرة الأولى يسميني باسمي
    قال " ممنوع المراجعة " ... نظر إلي و في عينيه شيءٌ من عتب
    خالفه الوكيل قبل أن يتم كلمته و قال " لا ... غير ممنوع الرجل يبغى يتأكد فقط "
    و أراه أرغمه على المراجعة ليدٍ له عليه سمعتهما يوماً من أيام الدراسة يتكلمون عن واسطة لتجديد عقد أو ما شابه
    و لعل هذا ما جاء به إلى غرفته
    جلس على كرسي وضع لمراجعي الوكيل و أنا واقفٌ بجانبه
    أخرج ملفاً كنت أظن أنه سيخرج منه ورقتي ... أخرج ورقة أسئلة فقط ... بدأ يناقشني في الأسئلة
    اختار أصعب الأسئلة بنظري ... كانت إجاباتي خاطئة ... بل حتى طريقة الحل التي استخدمتها ... أحاول أن أقنعه أن جواب الورقة مختلف عن جوابي الآن غير مقتنع في نفسي
    قلت له أن هذه أصعب الأسئلة
    قال لي هي الحمل الأكبر
    ثم قفز إلى فقرة الاختيارات ... حتى الاختيارات ... التي ظننت أن حلي الصحيح فيها من المسلمات أجبت على واحد من أربعة
    بدت أقتنع بأنها درجتي
    تحولت إلى الحديث مع الوكيل و قلت له أنني أريد مراجعة ورقتي
    قال معلم الرياضيات أن الأوراق أرسلت إلى الإدارة و المراجعة تكون هناك و من حقك المراجعة
    أما معلم الرياضيات فلم يصدق أنني توقفت من الحديث معه حتى يعيد بعثرة حقيبته ليعيد الورقة
    طلبت منه أن يعطيني إياه أراجعها عنده مع نفسي ... و لم يكن إلا طلباً تعجيزياً أنفس فيه عن شيءٍ من حزني
    أخرجها مرة أخرى
    تأملت في الورقة جيداً... تذكرت حلي ... كنت قادراً على الحل حينها أكثر من وقت الامتحان
    ما الذي اختلف عن الامتحان و الآن ؟
    أعدت له الورقة و شكرته رغم ما في القب من حزن
    حينها سمعت منه كلمات قفزت بهمتي عالياً
    حينها كانت كلمات هادئة و لم تكن خطابية كالعادة
    " حزنت عندما رأيت ورقتك ... راجعتها أكثر من مرة ... لم أقصر معك ... أعرفك أفضل من ذلك ... ما زال هناك فرصة ... بقي في اليد 50 درجة ... سهلٌ أن تأخذها كاملة "
    كلمات خدرتني عن المراجعة في الإدارة حينها ... لكنها آتت أكلها فيما بعد


    خرجت من غرفة الوكيل ... من المدرسة ... ذهبت لوحدي إلى فوالٍ قريب اعتدنا فيه على تناول الفطور مع بعض الزملاء قبل أن تحل الرسميات التي صاحبت الثالث ثانوي
    أذكر أنني طلبت كمية من الطعام قد يعجز عن أكلها شخصان
    أول مرة أعلم أن الحزن قد يفتح الشهية
    ذهبت إلى الدور الثاني ... هرباً من أن أقابل أحداً ... أنظر إلى الشارع من خلال الزجاج ... الرائح و الغاد ... أشغل بهما نفسي عن نفسي
    جاء الفطور ... صببت جل غضبي في معاركته
    جاوزت حد الإشباع إلى التخمة
    عدت مثقلاً إلى المنزل
    أعددت حينها ألف جواب و جواب لأسئلة كنت أتوقعها
    لم أرى أحداً حينها
    فررت إلى النوم
    نمت ما يقارب الاثنتي عشر ساعة
    استيقظت ... صداعٌ عجيب ... سببه النوم متخماً أم النوم محزوناً ... أم كلاهما ... لا أعلم
    قابلت أول من قابلت من لم أكن أتوقع منه سؤالاً عن الشهادة
    أخي الأصغر




    و لنا لقاء بعون الله
    :وردة:
     
  7. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    الإلتحاق بجامعة البترول 5

    سألني سؤالاً بعيداً جداً عن ما يشغل بالي
    كنت أتمنى أن أشاركه حينها لعب الــplay station
    هرباً من الواقع
    لكن الصداع يمنع من التركيز في الشاشة
    و لم يمنعني غيره
    رأيته يتقلب في طفولته
    جل همه كان إنهاء المرحلة في اللعبة و لا غير ذلك
    كم كانت الطفولة جميلة
    لم نكن حينها نحمل هم جامعة ... و لا هم وظيفة... و لم يثقل عواهننا شيءٌ من مسؤوليات الحياة بعد
    كان الكل معنا طيب حنون... الكل يغفر زلاتنا و هفواتنا... الكل يحقق لنا مطالبنا الطفولية و يبحث عن سعادتنا
    و مع ذلك ... كنا نتمنى أن تمر بسرعة حتى نمتلك سيارة !
    تركته يسرح في طفولياته
    امتنعت عن أن أري أحداً الشهادة معللاً أنها تحتاج إلى تعديل و مراجعة
    و مع الإلحاح و طلب الوالدين الذي لا أقوى على رفضه كادت أن تعلق الشهادة نسخة A0 على جدار من جدران المنزل
    شفعت لي مادة الإنجليزي و أخواتها العلميات عن كارثة الرياضيات
    لكني ما زلت أدرك أنها إما قبول أو رفض عن تحقيق الحلم



    عدت إلى معتكفي الغرفة
    اتصلت بالإنترنت رغم الصداع ... بحثاً عن ملعومة تطمئن ... كان "Dial up " في ذلك الحين .. أزيزه كاد يفجر خلايا المخ عندي
    بدأت أبحث في شروط دخول كلية الطب في جامعة الملك سعود ... الملك فيصل ... الملك عبد العزيز ... بل حتى جامعة القصيم التي لم أتعرف عليها إلا في ذلك الوقت
    جامعة الملك فيصل كان تشترط معدلاً للمواد العلمية لا يقل عن تسعين بالمئة
    و الملك عبد العزيز و سعود لم تشترطان إلا معدلاً كلياً لا يقل عن تسعين بالمئة
    أما القصيم فلم أجد أي معلومة

    مرت الإجازة الفصلية
    كان كل تركيزي على مادة الرياضيات
    رغم أن الاختبار النهائي سيكون من الوزارة
    إلا أني كنت أطمح بتعديل الوضع
    قررت تغيير طريقة المذاكرة و المذاكرة اليومية
    اشتريت كتاباً للتبسيط يحتوي على الكثير من المسائل و كذلك وجدت في نفس المكتبة مذكرة فيها مسائل محلولة قيل لي أنها أفكار من اختبارات الوزارة القديمة فاشتريتها رغم ارتفاع سعرها
    بدأت بالتركيز مع المعلم بشكل أكبر
    كنت أذاكر الرياضيات يومياً و أحل المسائل التي قام المعلم بحلها بنفسي
    سجلت في التقوية بمبلغ 600 ريال للفصل كاملاً
    كان المعلم يعرض فيها كماً كبيراً من المسائل و الأفكار
    لم يكن يعيد الشرح، بل يحل المسائل فقط
    علمت أنه كان في الفصل الأول يركز على فهم النظريات في الفصل و على حل المسائل في التقوية
    و لعله كان أحد الأسباب في تدني درجتي في الفصل الأول و لا أحمل أخطائي غيري
    طريقته في حل مسائل في التقوية كانت جميلة جداً، كان يجعلها أشبه بالألغاز
    كانت قلة العدد مقارنة بعدد الفصل تعينه بعد الله على إيصال الفكرة
    يعطينا فرصة لطرح طريقة الحل و مناقشتها معه
    بدأت أحب الرياضيات التي لم أحب من قبل
    و أذكر أني كتبت في الرياضيات و معلمها قصيدة و لم أكملها فلم أعتد على نسج الشعر لكنها القريحة التي تأتي متى ما تشاء و تغيب
    أقول فيها
    أنعم و أكرم بالتكامل و الجتا
    بالاشتقاق و بالقتا و بظا ظتا
    يا حصةً هي للعقول مفاتحٌ
    يسمو بما فيها من العلم الفتى
    كالصيف تلهب من أتى متكاسلاً
    و تُعِلُّ تقرُسُ من تبلِّد كالشتا
    و هي الربيع لمن يُجِدُّ فيجتني
    و هي الخريف لمن ....
    لا أذكر التكملة، فلم أدونها



    و في أول اختبار نصف فصلي أخذت الدرجة الكاملة و لله الحمد
    مع اقتراب الاختبارات النهائية الوزارية، الكل بدأ يخوفنا منها
    ستكون شاملة و صعبة
    أفادتني المذاكرة اليومية للرياضيات و لله الحمد، و كذلك التقوية و المسائل التي اشتريت
    كنت قد صرفت معظم وقتي و تركيزي للرياضيات غير متجاهلٍ غيرها
    حان وقت امتحان الرياضيات... أعطتني التقوية و لله الحمد تحفيزاً و ثقة لا بأس بها
    دخلت الامتحان ... كان منظماً واضحاً شاملاً يعتمد على عمق الفهم من الدرجة الأولى
    فقراته كانت كثيرة لكنها لم تكن طويلة كما كانت في الفصل الأول
    بذلت فيه كل قواي العقلية... بل و الجسدية حتى
    كانت درجة الفصل الأول نصب عيني
    تداركت خطأ التعامل مع الأسئلة و اخترت البدء بالأسهل فالأصعب
    انتهى الاختبار
    و توالت بقية الامتحانات
    و مما أذكره
    كانت مادة الفيزياء في يوم السبت الثاني
    كانت طويلة جداً
    احتجت فيها للمواصلة لا سيما أن امتحان الأحد أبسط بكثير
    قبيل الذهاب للامتحان و كنت قد اعتدت على الذهاب مبكراً حتى لا أقع في مشكلة زحام الطرق
    وجدت مائدة فطور أعدها أخي طالب الجامعة لنفسه في أول يوم من إجازته الصيفية فيها ما لا يقاوم
    صَعُبَ علي أن لا أجيب الدعوة التي قدمتها لنفسي قبل أن تقدم لي
    أكثرت
    ذهبت مثقلاً مواصلاً إلى المدرسة
    لم أكن أرى الطريق بوضوح
    كيف سأرى الاختبار إذاً
    وصلت إلى المدرسة متأخراً بعض الشيء
    لكن بلا آلة حاسبة !!
    بقي أقل من خمس دقائق على بدأ الامتحان
    فيزياء بدون آلة حسابة ؟!
    سألت من أعرف من الطلاب عن آلة حاسبة
    قررت دخول الامتحان بلا آلة حاسبة
    العودة للمنزل ستستغرق أكثر من نصف ساعة
    الدخول إلى الامتحان خير من عدمه
    دخلت القاعة مبكراً و لا حاسبة لدي
    دقيقة و دخل أحد الطلاب و كان جاراً سابقاً
    معه آلتي الحاسبة
    قال هذي "حاسبتك جابها أخوك"
    لعلي تركتها على مائدة الفطور
    تداركني بها جزاه الله خير
    كانت لحظات هلع
    مواصل ... "مثَقِّل" ... فيزيا ... بلا آلة حاسبة... و اختبار وزارة
    لفت نظري شيء في الامتحان
    الطالب الذي أعطاني الآلة الحاسبة لم يكن معه آلة حاسبة ؟!؟
    كان يجلس أمامي إلى اليمين
    منعه المراقب في البداية من أن يستخدم آلة أي طالب آخر لأن المعلومات قابلة للتخزين فيها !!
    و بعد الإذن كان يأخذ آلة حاسبة لأحد الطلاب كلما فرغ منها
    أخذ التفكير في الموضوع حيزاً من تفكيري في الامتحان
    هل أعطاني حاسبته
    لا، هذه حاسبتي و أعرفها جيداً
    ألم يكن باستطاعته أن يأخذ آلتي دون علمي
    أردت أن أكلمه بالموضوع لكن خروجه قبلي حال دون ذلك
    انتهت الاختبارات ... استلمنا الشهادات
    أول ما نظرت إليه الرياضيات
    كانت درجة أفضل مما توقعت بكثير و لله الحمد
    آتى الجِدُّ و الجُهدُ أُكلَه و لله الحمد
    بقي الآن التقديم على كلية الطب
    عدت للدخول على المواقع
    و لملمة الأوراق المطلوبة
    جدولت مواعيد التقديم
    أولها كانت جامعة الملك فيصل التي صارت الدمام فيما بعد






    و لنا لقاء بعون الله
    :وردة:
     
  8. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    الإلتحاق بجامعة البترول 6

    و أنا أبحر في ما يقارب الثماني سنوات من الذكريات
    أسمح ضجيجاً و أرى ازدحاماً في كل محاولة للعودة بذاكرتي للوراء
    أحرص على طرح بعض التفاصيل
    و أخشى أن أطيل على القارئ فيمل
    بين أمرين
    أسأل الله أن أوفق في خيرهما


    لم يخلد في ذاكرتي كثير من الذكريات في يوم استلام الشهادة
    رغم أنه كان آخر يوم لي في المدرسة
    غير أني رأيت مدرس الرياضيات يستشيط غضبا، مع حقيبته، في غرفة الوكيل
    سلمت عليهما و كنت قد جئت للسلام على الوكيل و على من تربطني به علاقة جيدة من المدرسين
    و انتهت علاقتي بالمدرسة تماماً


    في يوم التقديم
    جمعت الأوراق المطلوبة
    كان أهمها
    الشهادة الأصلية و صورة مختومة منها
    صورتان لصاحب الطلب
    و صورة من بطاقة الأحوال
    ذهبت للجامعة كان الوضع التنظيمي للتقديم يرثى له
    أشبه بتهافت الطلاب و اصطفافهم للحصول على زعتر و عصير من المقصف المدرسي
    كانوا قد قسموا استقبال الطلبات على حسب المعدل دون أن يعلنوا عنه
    فقد تصل إلى الموظف ليقول لك أنها فترة أصحاب الــ95 و ما فوق
    وصلت للموظف بعد دقائق من الانتظار
    سألته إذا ما كان باستطاعتي التقديم على كلية الطب البشري
    أخذ صورة من الشهادة مختومة
    أخرج آلة حاسبة و بدأ بالحساب
    النتيجة 89,89
    و قال لا يمكن
    سألته عن النسبة التي قام بحسابها فقال إنها نسبة المواد العلمية
    و أضاف لو عندك درجة زيادة في الرياضيات لاستطعت، النسبة المطلوبة لا تقل عن 90
    فانصرفت و كأن الدنيا قد أظلمت في وجهي حينها
    خرجت من الطابور
    وجدت أحدهم و قد بدا لي أنه من طلاب الكلية و جاء لتقديم المساعدة و الاستشارة
    جاء بنفسه لي مشكوراً لما رآني
    أخذ شهادتي و أخرج آلة حاسبه هو الآخر و بدأ بالحساب
    استخرج نفس النسبة
    قال لي بالإمكان التقديم على كلية العلوم الطبية
    لا أريد كلية العلوم الطبية و لا أعرف شيئاً عنها
    عدت و انتظمت في الصف
    جاء دوري مرة أخرى
    أعطيت للموظف الشهادة و قبل أن أبدأ بالسؤال قام بحساب النسبة مرة أخرى
    نسيني لكثرة الوجوه
    لا يمكن التقديم على كلية الطب
    سألته إن كان ثمة مجال فأنتظر
    فقال لا يمكن
    أقل شيء النسبة العلمية تكون أعلى من 90
    و الانتظار الآن بين المعدلات العامة
    نحن الآن عند 95 و فوق
    خرجت من الطابور و في القلب من الحزن ما الله به عليم
    سنة كاملة من التعب و الإرهاق و حلم بنيته في القلب سنين يضيع في ثوان
    تذكرت السهر و المواصلة
    تذكرت التحضير و المذاكرة و حل المسائل
    تذكرت تفاصيلاً كنت أمني النفس بها إذا ما تحدثت مع حبيب أو قريب



    جاءني الطالب الذي جاءني من قبل
    يرغبني بكلية العلوم الطبية
    سألته عن طريقة حساب النسبة العلمية
    كانت الرياضيات + الفيزياء + الكيمياء + الأحياء / 18
    و لم تدرج اللغة الإنجليزية فيها، و لو أدرجت لكان معدلي العلمي أعلى من 90
    أبديت للطالب عدم رغبتي بكلية العلوم الطبية
    أخذ رقم جوالي في حال صار أي تطور
    عدت للمنزل و في القلب حزن و ندم على لحظات ضيعتها لم أذاكر فيها
    على تهاون و تقصير
    على استهتار في الرياضيات و اقتصار على حفظ القوانين دون بذل جهد في حل المسائل
    دخلت على مواقع جامعة الملك سعود و الملك عبد العزيز
    كان لي فيهما أملٌ بعد فقدان فرصة جامعة الملك فيصل
    اتصل بي الطالب الذي قابلت أثناء التقديم
    يرغبني بالتقديم على كلية العلوم الطبية و أنها خير من لا شيء
    ذهبت للكلية قدمت و قُبلت و كان القبول فورياً



    عزمت على التقديم على جامعة الملك سعود و حددت التاريخ
    قبل التقديم عليها بأسبوع اتصل بي أحد الأقارب يخبرني عن جامعة القصيم
    و أنها جامعة واعدة و القبول فيها أكيد
    دخلت على منتدى جامعة القصيم
    وجدت تاريخ التقديم قد بُيِّن فيها
    كلمت أخي الطالب الجامعي ليذهب معي
    و ذهبنا سوياً الليلة التي قبل التقديم
    أخذت الأورق المطلوبة
    بتنا في الرياض تلك الليلة
    و انطلقنا صباح يوم التقديم إلى القصيم و كانت أول مرة أرى فيها القصيم
    وصلنا إلى الجامعة و كانت في منطقة تسمى " مليدا " تبعد عن بريدة قرابة العشرين كيلومترًا على ما أذكر
    دخلنا الجامعة
    لم يكن هناك حارساً على البوابة
    كانت الأمور بسيطة جداً
    المباني جديدة
    التقديم كان في الصالة الرياضية
    دخلت الصالة الرياضية و معي أوراقي
    أما أخي فقد آثر المكوث في السيارة من تعب الطريق
    كانت الصالة مزدحمة جداً و الطلاب يجلسون على مدرجات حتى ظننت أني دخلت إلى المكان الخاطئ
    وجدت موظفاً على طاولة كبيرة مكتوب عليها استعلامات
    سألته فأخذ اوراقي تأكد منها و قال لي "اشتر ملف أزرق بريالين"
    اشتريت الملف الأزرق
    وضعت أوراقي فيه
    و عدت إليه، أشار لي على موظف يجلس بعيداً و أمامه جهاز كمبيوتر
    ذهبت إليه، سألني عن المعدل، فأخبرني بإمكانية التقديم على كلية الطب
    فتبين لي أن الطلاب الجالسون على المدرجات كانوا ذوو معدلات أقل من المطلوب حينها
    أخذ الملف، بدأ بتسجيل معلومات على الجهاز، ثم أشار لي على موظف آخر و طبع لي ورقة آخذها معي
    ذهبت إلى ثانٍ و ثالثٍ حتى انتهت إجراءات التسجيل على أن آتي في اليوم الآخر لأستلم ورقة إثبات القبول بشرط أن أسلمهم الشهادة الأصلية
    اضطررنا للمبيت في القصيم، ذهبنا في اليوم الآخر للجامعة، استلمت ورقة القبول
    سألتهم عن توفر إسكان للطلاب، فكان الجواب بلا يوجد
    كانت الجامعة بعيدة جداً عن المدينة بريدة و ليست كجامعة البترول
    عدنا من حيث أتينا
    فرحاً بالقبول في كلية للطب
    لكن في حيرة من أمري
    لا يوجد إسكان للطلاب قريب من الجامعة
    لم أكن أملك السيارة التي تأهلني للتنقل و لم يكن تملُّك سيارة جديدة بالأمر السهل بالنسبة لي
    عدنا لمنزلنا بدأت بالتفكير بالأمر
    لم يكن تقديمي على كلية الطب في القصيم بالأمر المناسب بتاتاً لأكثر من سبب
    لم تكن الجامعة مهيئة لقدوم الطلاب من خارج المدينة في ذلك الحين
    المدينة بعيدة عن الجامعة ... لا يوجد سكناً ... لا معارف و لا أقارب لي في تلك البلدة .. لا أملك سيارة
    قررت أن أسحب ملفي مع اقتراب التقديم على جامعة الملك سعود






    و لنا لقاء بعون الله
    :وردة:
     
  9. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    لنا عودة بإذن الله
    إن كان ثمة من يتابع

    :وردة:
     
  10. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    الإلتحاق بجامعة البترول 7

    قررت أن أسحب ملفي من جامعة القصيم قرارً ارتجالياً بمجرد العودة إلى المنزل، راجعت الأمر ، دراسة الطب في جامعة القصيم ، من أكثر من ناحية
    جالست نفسي كثيراً و استشرت آخرين
    المعلومات التي قدمها لي من حولي شحيحة جداً
    و ليست أكثر من معلومات عامة، بعضها شحذ همة، بعضها تهرب من أن ألوم أحداً فيما بعد، و بعضها لم تكن أكثر من أنت أعلم منا
    و صدقوا


    اقترب موعد التقديم على جامعة الملك سعود
    كان من ضمن شروطهم احضار الشهادة الأصلية !
    و شهادتي في جامعة القصيم !!
    لم يحن بعد التاريخ الذي يسمح لي بأن أسحب ملفي من الجامعة
    فالفرق بين موعدي التقديمين قصير أقل من أسبوع
    كان خطأي
    خطأٌ في ترتيب الأولويات
    أخذت معي ورقة إثبات القبول في جامعة القصيم لها تكون شفيعاً
    الليلة قبل التقديم، انطلقت مع أخي إلى الرياض ليلاً
    تناولنا وجبة العشاء في أحد مطاعم المشويات
    كعادتي إذا ما ضاق صدري أو قتلني التفكير في أمر
    اتخمت بشكل عجيب على أنغام نصائح أخي و كلماته التربوية التي ما زال بعضها في أذني
    نزلنا في مكان ننام فيه، كان مريحاً جداً، مع ذلك لم أنم إلا بعد صلاة الفجر
    التفكير و التخمة كفيلان بطرد النوم
    نمت بعد صلاة الفجر لأقل من ساعتين
    استيقظت قبل أخي
    كان هناك لجنة تقابل المتقدمين و كان لزاماً علي الاستعداد لذلك
    أيقظت أخي و انطلقنا إلى الجامعة التي لا أعرف اين تقع
    كان البحث عن جامعة سعود في الرياض أصعب من القصيم
    لا سيما أننا سكنا في حي من أوائل أحياء الرياض
    الوقت كان مبكراً جداً
    لم يكن وقتاً مناسباً لأن أسأل كثيراً ممن رأيت في الشارع فالكل كان مستعجلاً ليصل عمله
    أحدهم استغل سؤالي ليخبرني بأنه لم يكمل المرحلة الابتدائية، توظف على طول و ريح راسه على حد قوله
    و لعل الفطن أراد أن يوجه لي رسالة بما يراه لنفسه صواباً، لم يكمل الدراسة
    أما آخر و بعد أن فتح نافذة السيارة بعد كثير نداءات اكتفى بقوله " سيِّد "
    و قد أضلنا عن الطريق هداه الله
    و ليته لم يفتح نافذته
    كانت الجامعة في طريق مخالف تماماً كما أرشدنا بعد موظفاً في صيدلية
    وصلنا الجامعة أخذت أوراقي
    نزل معي أخي هذه المرة
    كان التقديم في صالة رياضية كذلك و لكن أكثر ترتيباً
    بمجرد دخولي استقبلني رجل أمن و أشار لي على موظف الاستقبال
    ذهبت إلى الرجل و كان شاباً حسن الخلقة مبتسماً
    قدمت له اوراقي
    أين الشهادة الأصل ؟
    معي صورة مختومة و الأصل في جامعة القصيم
    موعد سحب الملف لم يحن بعد
    تأسف مني الرجل
    و قال لي أنه ممنوع من أن يتجاوز هذه النقطة من ليس معه الشهادة الأصلية و أن اللجنة ستعاقبه هو إن خالف النظام
    ألححت عليه، ما السبب ؟ سآتي بالشهادة في أقرب وقت
    أكمِل إجراءاتي أنت و سأتفاهم مع من بعدك
    أغلق الرجل باب الحديث في وجهي
    و بدأ يتهرب من النظر في عيني
    و ختمها قائلاً
    " أخوي هذا نظام، جيب شهادتك بأقرب وقتك و الله يحييك "
    عدت إلى أخي أخبرته بالأمر
    كاد أن يرجع إلى الموظف يحاول معه فطلبت منه أن لا يفعل فالرجل كما بدى لي ملزم باتباع النظام
    خرجنا من الجامعة إلى الدمام مباشرة
    على أن أعود في أقرب وقت إلى جامعة القصيم أسحب ملفي منها وأقدم على جامعة الملك سعود


    لم أنزعج كثيراً من عدم تجاوزي مرحلة القبول في جامعة الملك سعود بقدر عدم راحتي من وجود ملفي في جامعة القصيم
    حان موعد سحب الملفات من جامعة القصيم
    كان أخي منشغلاً جداً ببعض أموره فاعتذر
    قررت الذهاب بالنقل الجماعي
    اتصلت برفيق دربٍ لي
    انتزعته من لهو عطلته الصيفية انتزاعاً
    قلت له " محمول مكفول " و كانت مجرد كلمة ألقيتها غير مبالٍ
    عندي مبلغ 500 ريال فقط
    كان تذكرتي و صاحبي تكلفان 400 ريال ذهاباً و إياباً إن لم تخني الذاكرة
    و 100 ريال تكفي لنا إعاشةً فلن نستغرق في القصيم أكثر من يوم
    رحلتنا بالباص الذي كان مزدحماً بالعمالة كانت مرهقةً جداً
    لم يتوقف الباص غير مرتين فقط
    وصلنا في وقت متأخرٍ من الليل
    أقرب سكنٍ للعزاب كان ملجأً لنا
    كان مقابل محطة القل الجماعي مباشرة
    نزلت فيه أول مرة مع أخي
    و لكن المفاجأة
    لا يوجد مكان !
    الساعة متأخرة من الليل، لا نملك سيارة للتنقل
    أخبرنا موظف الاستقبال المصري بسكن آخر قريب
    تركت صاحبي مع الأغراض ينتظر لعل غرفة تخلو في هذا الوقت
    تهت قليلاً و لم تكن العمارة الأخرى قريبة كما صورها الرجل
    كان العمارة الأخرى ممتلئة كذلك، أرشدني العامل فيها إلى عمارة ثالثة
    ذهبت إليها أجر خطاي إرهاقاً
    كانت صغيرة جداً، و ممتلئة هي الثالثة كذلك
    عدت إلى صاحبي بعد أكثر من ساعة تقريباً و كانت الساعة قرابة الواحدة
    أخبرته و الموظف أن العمارتان الأخريان ممتلئتان
    فتكلم حينها و لا أدري ما الذي دفعه لكي يخبأ عنا غرفة فارغة أول ما جئنا و ما الذي دفعه للحديث بعد عنها و كأنه لم يعلم عنها أنها فارغة
    أخذنا إلى الغرفة ، لم يكن فيها فراش، شبه أسرة فقط، ثلاثة أسرة، كانت الغرفة أغلى من غيرها، و علينا أن نتركها قبل الساعة الرابعة غداً، كان استغلالاً قبيحاً جداً
    ما تبقى معي إلا 100 ريال فقط
    و لا أذكر كم كان السعر إلا أنه سبب لي ضائقة مادية في رحلتنا
    فثمة مصاريف أخرى
    لكن صاحبي مشكوراً تكفل بها رغم علمي بحالته المادية متناسياً كلمتي "محمولاً مكفولاً"
    ألقيت بجسدي المرهق على شبه السرير
    التكييف كان جليدياً بمعنى الكلمة
    آيات القرآن التي كانت تنطلق من جوال صاحبي الذي اعتاد على أن ينام على صوت قارئه المفضل كانت تهدهد علينا
    نمت نومة مريحة جداً
    إلا أنهم قد أكلوني البراغيث و ارتووا من دمائي، لم أشعر بذلك إلا بعد استيقاظي


    استيقظنا صباحاً
    علينا أن نبحث عن مكان نفطر فيه و سيارة تقلنا إلى الجامعة
    كان الشارع جميلاً جداً، رغم بساطته، فيه من النشاط الكثير
    رأينا بوفية قريبة، و كأنها فتحت لمرتادي محطة النقل الجماعي
    تناول منها ما يسد الجوع فقط و عيني على ما تبقى من المادة خشية من أي مفاجأة تقع لا قدر الله
    مجرد وقوفنا على الشارع نبحث عن سيارة أجرة كما اعتدت في حيينا الدمامي
    بدأت سيارة خاصة تتوقف أمامنا
    لم يكن هناك سيارات أجرة
    كلها سيارات مواطنين خاصة
    كانت أخلاقهم جيدة
    و رغم عدم علمي ببعد الجامعة عن قربها كثيراً إلا أنني كنت أتفاوض معهم على السعر خشية استغلال كاستغلال صاحب الشقق
    حتى استقرينا مع شاب بــ25 ريال
    كان يقود ببطء
    و كأنه يستغل وقته في الحديث معنا
    كان الرجل كداداً
    كان يحدثنا عن بعض جوانب حياته، يقول أنه قد لا يعود لمنزله أسبوعاً كاملاً
    حيث ما أراد الراكب أن يذهب به يذهب
    قد يقرر الذهاب بطرفة عين إلى جازان أو عرعر !!
    كان يتمنى أن يكون قد أكمل المرحلة المتوسطة على الأقل
    فطبيعة عمله الحالية تحرمه من حياته و من الزواج كما يقول






    و لنا لقاء بعون الله:وردة:
     
  11. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    الإلتحاق بجامعة البترول 8

    الرجل كان رحالة
    يعشق الترحال إضافة إلى طبيعة عمله أو كما كان يسميه و يتسلى بتسميته البزنس
    حكى لنا بعض مغامراته في العشرين دقيقة التي لم يتحدث فيها مسترسلاً غيره
    وصلنا إلى الجامعة
    عرض علينا أن نتصل به بعد الانتهاء من مراجعتنا للجامعة
    دخلنا الجامعة كانت خاوية على عروشها
    لا أحد فيها لكي أسأله عن مكان سحب الملف حتى
    انتقلت إلى الدور العلوي
    مكتب ينبعث منه صوت
    دخلنا المكتب
    وجدت فيه رجلان أحدهما كبيرٌ في السن دمث الخلق جداً بدى لي ذا منصب عالٍ في الجامعة
    و آخر شابٌ أوكلت إليه مهمة تسليم الملفات
    أخبرتهما بأني أريد أن أسحب ملفي
    فطلب مني الأول، كبير السن، أن أجلس و بدأ يتحدث معي عن سبب التراجع و أن الجامعة واعدة
    و أن التخصص له مستقبل و إلى آخر كلامه
    و كأنه كان يحاول أن يثنيني على سحبي لملفي
    و لكنه قرار اتخذته
    انطلقت مع الشاب بعد أن أعطيته ورقة القبول التي تحمل رقماً تسلسلياً
    دخل إلى غرفة كتب عليها ممنوع الدخول لغير العاملين
    دقائق و أعطاني الملف


    خرجنا من الجامعة
    كان كل ما حولها صحراء قاحلة
    مشينا مسافة ليست بالقصير حتى وصلنا إلى البوابة
    توقف لنا شاب بسيارة أكورد بيضاء
    جاء في وقته الرجل
    الجو حار جاف عاصف صحراوي
    ركبنا معه
    شاب في مقتبل العمر
    سنة ثانية في كلية الصيدلة
    شاب ملتحٍ حسن الخلقة
    عرَّفنا بنفسه و عرَّفنا أنفسنا عليه
    أخبرناه بقصة سحب الملف
    هو الآخر حاول أن يرغبنا بالدراسة في جامعة القصيم
    حاولت الخروج من الحديث في الموضوع
    فانتبه الرجل و استجاب لحسن خُلُقه
    كان يسألنا عن بعض المعالم في الشرقية و بعض الشخصيات المعروفة
    جاء مرة في عمره إلى الدمام
    لكنها لم تعجبه
    كان شاباً طموحاً بمعنى الكلمة
    يحمل هموماً و لديه أحلامٌ كبيرة جداً
    شاب مطلع و مثقف
    تحدث عن بعض الأمور التي تدور في العالم من حولنا بتفاصيل دقيقة
    كنت أتمنى أن المشوار معه أطول مما كان
    نزلنا إلى حيث نسكن


    آثر صاحبي أن لا نبقى في الغرفة
    نزلنا لا ندري إلى أين نتجه
    سرنا في الحي الواقع خلف الشقق
    كان و كأنه سوقاً أو ما شابه و فيه بعض المنازل
    تعمقنا قليلاً حتى وصلنا إلى حي ما فيه غير البيوت
    طلبت من صاحبي التراجع
    فقد ابتعدنا كثيراً و الوقت غير مناسب لتجول أغراب في حي سكني على أقدامهم قبيل الظهيرة
    في عودتنا مررنا بمخابز لا أذكر اسمها
    أسرت صاحبي رائحة المعجنات المنبعثة
    دخل صاحبي و تبعته
    لفت نظره كليجة القصيم
    كان لها بريق بمعنى الكلمة
    أعدت للتو
    طلب واحدة للتجربة
    تناول واحدة و أنا أخرى
    كان لها طعمٌ أخَّاذ
    سعر الصندوق الواحد أو كما يسمى بالعامية " التنكة " أرخص مما توقعت
    أخذنا أربع تنكات
    و كل ما تبقى معنا حينها 30 ريال فقط
    تغدينا بــ25 و بقى 5 ريالات خفايف للطريق
    عدنا للغرفة
    مر الوقت سريعاً
    قبل الساعة الرابعة طرق الباب الموظف المصري يطلب منا الانصراف
    كنا قد جهزنا أمتعتنا
    انصرفنا ننتظر في محطة النقل الجماعي
    تأخر الباص عن موعده قرابة الساعتين
    لم يكن معنا في محطة الانتظار غير عائلة
    تتكون من رجل مسن و شاب و ما يزيد على عشر نساء
    كن بكامل حشمتهن و لم نسمع لهن صوت خلال ساعتي الانتظار أو ساعات الطريق السبع


    وصل الباص
    فيه عمالة كالعادة
    و سبعة شباب قدموا من حائل يريدون التوجه معنا إلى الدمام
    جالسنا الشباب و أكرمونا بقهوة و " قدوع " أحضروه للطريق فبقية الخمس ريالات في جيبي
    تعاملوا معنا و كأنهم يعرفوننا من قبل
    جميعهم جاؤوا يبحثون عن وظائف
    جميعهم سينزلون في بيت قريب لأحدهم في الدمام
    أعجبني الترابط و التواصي بينهم
    وظيفتان في الدفاع المدني في الرياض بلغتهم باتصال و هم في الطريق
    فنزل اثنان منهم في الرياض و أكمل الخمسة الباقون إلى الدمام
    وصلنا الدمام في الساعة الواحدة ليلاً و قد أنجزنا المهمة و سحبنا الملف و لله الحمد
    لا نملك ما ندفعه لسيارة أجرة غير الخمس ريالات و المشوار يكلف أكثر
    اتفقنا مع سائق أجرة مسن على أن ندفع له الباقي بعد وصولنا
    اقتنع الرجل و هو مغضب بشرط أن يصحب معنا ركاباً آخرين
    أنزل راكبين آخرين قبلنا ثم أنزلنا و دفعنا له مبلغه
    أخذت صاحبي إلى منزله و عدت لألقي بجسد مرهق على السرير و بال مشغول بالتفكير في عالم الأحلام و المستقبل الذي لم يتضح بعد في ذاك الحين
    سحبت الملف من جامعة القصيم
    موعد التقديم على جامعة الملك سعود فاتني و لا أملك غير وعدٍ "بحياك الله" من موظف استقبال بسيط
    كنت قد قدمت إلكترونياً على موقع جامعة الملك فهد للبترول للمعادن
    و لو كان التقديم بالحضور لما أخالني ذهبت
    تلك الجامعة التي لم أكن أريد
    و لم أقدم عليها إلا بعد اتصال مع صاحب قديم





    و لنا لقاء بعون الله
    :وردة:
     
  12. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    الإلتحاق بجامعة البترول الأخيرة

    كان التقديم على جامعة الملك فهد للبترول و المعادن إلكترونياً عن طريق الموقع
    كان سلساً جداً
    أذكر الشاشة الزرقاء البيضاء و كأنها أمام عيني الآن
    التسجيل لا يتجاوز الدقائق
    مع ذلك لم يشكل لي أي عامل جذب للالتحاق بالجامعة
    كنت قد ملأت طلب الالتحاق بعد اتصال صاحب لي
    أحدهم قابلته كان خريجاً من جامعة الملك فهد يعمل في مجال مختلف عن تخصصه تماماً
    أشبع الجامعة مدحاً و ثناءً بعد علمه بأني أبحث عن جامعة ألتحق بها و أني قدمت على جامعة الفهد
    تم التسجيل
    نسيت أنني سجلت في الجامعة أو صدقاً تناسيت
    لم يكن يهمني أن أقبل كثيراً
    عيناي على الطب
    أيام و اتصل بي صاحبي الذي اتصل من قبل
    يكاد يطير فرحاً
    أرى ابتسامته من صوته تشق فاه
    كل هذا فرحاً بالقبول في جامعة البترول !!
    لم أفسد عليه فرحته بما أحمله في ذاكرتي من قصص مزعجة لخريجين من الجامعة التي هو فرِحٌ بها



    قبلت أنا الآخر في جامعة البترول !!
    لم أفرح بها أبداً
    زميل يتصل بي يسألني إذا ما كنت قد قبلت أو لا
    كان حزيناً أنه لم يقبل
    أعلم أني لا أعشق الرياضيات و أن الجامعة تقوم على الرياضيات في كل موادها
    أخبرت من حولي بكل برود
    أحد معارفي بعد سماعه نبأ قبولي لم يخفِ علي أنها كانت حلماً له لكنه ذهب ليدرس الصيدلة في الرياض بعد أن رفضته الجامعة
    صاحبه لم يقبل فذهب لدراسة الهندسة في جامعة الملك سعود
    و يعرف من التحق ببرنامج الــitc التابع لأرامكو بعد رفضه
    و رابع طرد من الجامعة بعد أن مكث طويلاً يحاول اجتياز التحضيرية و ذهب ليعمل مشغلاً في شركة الكهرباء
    بدى لي الأمر و كأنها قبلة الخريجين بكسر القاف
    دونت موعد الحضور للجامعة فلا أملك قبولاً إلا منها في وقتي آنذاك و هدفي هو أن أرسو على بر
    في تلك الأيام استلمت رسالة تبارك لي قبولي ببرنامج خادم الحرمين للابتعاث لدراسة الطب في ماليزيا!
    طرت بها فرحاً
    نسيت أمر جامعة البترول أم الرياضيات
    رأيتني حينها طالب طب يرتدي المعطف الأبيض و البدلة الزرقاء يسرح بين جبال تلك البلاد الخضراء ... ماليزيا
    عدت للمنزل أبشر عائلتي بخبر القبول
    الكل يعلم أني خسرت فرصة دراسة الطب في بلدي و أن الطب حلمي
    الكل ما بين سعيد و محايد إلا والدتي التي لم تكتف بالرفض بل حزنت لما علمت برغبتي و عزمي على السفر لحضور المقابلة في الرياض
    و بناءً على ذلك... الكل تعاطف معها



    بدأوا يغرونني بجامعة البترول على أنها أمنية الكثيرين و أن المتخرجين منها تتشاطرهما سابك و أرامكو
    بدأت قصص نجاحات لطلاب من جامعة البترول تغزو مسمعي و تزاحم قصص الفشل التي ملأت ذاكرتي سنيناً
    و مع ذلك لم أعبأ .. أعرف الرياضيات تماماً
    أتممت إجراءات القبول في جامعة البترول على أنها مرحلة مؤقتة إلى أن يحين وقت رحلتي لدراسة الطب في ماليزيا
    كان الحضور في قاعة 54 على ما أذكر ... المسلخ
    قسمت القاعة إلى غرف و نَمرُّ عليها واحدة تلو الأخرى
    كان ترتيباً جيداً
    أذكر تماماً أن بالي كان مشغولاً بالبعثة حتى أني أخبرت أحد الطلاب الذين تعرفت عليهم حينها و كان من جيزان و جاء ليلتحق بالبترول
    ركبنا الباص الأبيض و استلمنا الكتب
    أعطيت الجامعة كل الأوراق المطلوبة و انصرفت
    استلمت الجدول حينها و كان أشبه ما يكون بطلاسم
    أزرق كربوني
    استلمت موعداً للمقابلة الشخصية في فندق في الرياض لإكمال إجراءات الابتعاث
    بدأت أفكر في تفاصيل الإبتعاث ... هنا تبدت لي جدية الأمر ... جدية ترك العائلة ... و السفر للدراسة
    هنا فتح علي باباً كان مغلقاً من سنين و أنستني فرحة فرصة دراسة الطب التفكير فيه
    الجو العائلي و القرب من الإخوان و الوالدين
    بدأت أقرأ بصفحات الإنترنت عن المبتعثين و الابتعاث و الدراسة في الخارج و حياة الغربة و عدد سنوات دراسة الطب
    كانت سنيناً طويلة
    التقلب في عالم المسافرين كان عالماً مختلفاً
    فصاحبكم كانت الرياض لديه سفراً بعيداً حينها و لم يعتد على مفارقة الجو العائلي
    و لا أراه ضعفاً أبداً
    الوالد حينها كان يثني على الدراسة في جامعة البترول و لكن كنت أعلم أنه يلبي رغبة والدتي
    التي لم تخف على أحد
    أحد أصحابي الذين تحدثت معهم فيما بعد علمت أنه درس في كلية الجبيل لأن والدته لم توافق على سفره



    حان موعد المقابلة الشخصية في الرياض
    عزمت على السفرين ... سفر الرياض للمقابلة و سفر الدراسة في الخارج
    ذهبت و أنهيت المقابلة في الفندق
    استلموا أوراقي و لم يطلبوا النسخة الأصلية من الشهادة
    كانت المقابلة مجرد جلسة خفيفة لم تتجاوز عشر دقائق
    كان فيها رجلان رائعان بمعنى الكلمة
    رغباني بالدراسة في الخارج و طاروا بي عالياً بعيداً في عالم الأحلام
    عدت إلى الدمام حائر الخطى
    كانت الأيام تجري جرياً
    تمر مسرعة
    أصبت بأرق من كثرة التفكير
    كنت أتقلب على الفراش لساعتين و أكثر و كأن سفري غداً
    الرغبة و البعد أم القرب و عدم الرغبة
    كنت أميل للكفة اليمنى
    فالرغبة الرغبة
    اقترب موعد بدأ الدراسة في جامعة البترول
    قررت أن أدرس لحين موعد بدأ البعثة



    قرأت أبيات جميلة في تلك الأيام تقول
    ما في المقام لذي عقل و ذي أدب من راحة فدع الاوطان و اغترب
    سافر تجد عوضاً عن من تفارقه و انصب فإن لذيذ العيش بالنصب
    فالأسد لو لا فراق الأرض ما افترست و السهم لو لا فراق القوس لم يصب
    إني رأيت وقوف الماء يفسده إن ساح طب و إن لم يجري لم يطب
    قابلت في أوائل أيامي في جامعة البترول معلماً قديماً رائعاً كان أقرب ما يكون للأخ لي
    تحدثت معه عن جامعة البترول فأثنى عليها
    أخبرته أن رغبتي في دراسة الطب و أنه لا رغبة لي في البترول أبداً لكن رغبة الوالدين أن أدرس في البترول
    أشار علي أن أدرس الطب ما دام هو رغبتي و لكن اقترح علي اقتراحاً
    و هو أن أجمع بين الرغبة و القرب حيث أدرس هذا الفصل في البترول و أقدم على جامعة الملك سعود الفصل القادم أو السنة القادمة
    كانت فكرة جميلة
    لم أخبر بها والداي لحين تحققي
    تواصلت مع الجامعة جامعة الملك سعود
    و بعد عناء و انتظار تحققت من إمكانية التقديم على جامعة الملك سعود العام القادم و ليس الفصل القادم
    أخبرت أخي الأكبر قبل الكل فأثنى على الفكرة و قال لعلها تكون تجربة لجامعة البترول أتعجبك أم لا
    في تلك الأيام كنت أخفي إصراري و رغبتي بالسفر للدراسة في الخارج و أبدي الرغبة بفكرة دراسة الطب في الرياض
    كنت أود أن أطلع على عالم آخر
    ثقافة أخرى و أناس آخرين
    قرأت تجارب رائعة لأناس مبتعثين
    حتى أني احتفظت على جهازي بصور لتلك البلاد
    لجامعاتها و جمال طبيعتها
    لم أكن أفقه معنى الغربة التي لم أجربها طويلاً
    استتيقظت يوماً لأجد نفسي في أول يوم من أيام جامعة الملك فهد للبترول و المعادن
    طالباً مستجداً فيها
    أحمل كتب اللغة الإنجليزية الأربعة الملونة و كتاب الرياضيات الثقيل الثقيل
    و أتجه إلى مبنى السنة التحضيرية الجديد حينها 58



    و لنا لقاء بعون الله
    :وردة:
     
  13. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    في جامعة البترول 1

    طالب سنة تحضيرية في جامعة الملك فهد في أيامه الأولى
    مقبول في برنامج خادم الحرمين للإبتعاث
    و أطمح للجمع بين القرب و الرغبة في الدراسة الطب بجامعة الملك سعود السنة القادمة
    في أيامي الأولى في جامعة الملك فهد
    بدت الأمور مزدحمة علي بشكل رهيب
    لم أتحمل من قبل هكذا مسؤولية و هكذا اتخاذ لقرار
    كثير من قرارتي الماضية اتخذتها بنفسي
    لكن هذه المرة عجزت عن اتخاذ القرار
    المشكلة أنه لم يكن لدي أدنى رغبة للدراسة في جامعة البترول و كان لدي ماض من رهبة و بغض
    كل تخصصاتها من هندسة إلى إدارة إلى علوم لم تشكل لي رغبة فيها في ذاك الحين أقول


    كان هناك برنامج أذكر اسمه Career Oasis
    في معمل السنة التحضيرية
    دخلت على البرنامج و كان هناك أخصائي أو ما شابه
    استخدمت البرنامج ... أسئلة كثيرة أجبت عليها بدقة و تفكير و استناداً على طبيعة و ماضٍ
    ظهرت النتيجة ... التخصص الأنسب ... العلوم الطبية التطبيقية
    شاهد الرجل الذي كان يشرف على البرنامج بنفسه النتيجة و هو يقف خلفي فقال لي ... شو جابك هون ... بالشامية
    الله يهديه ما كنت أحتاج حيرة على حيرة في ذلك الحين
    الأعجب أني حينما أردت أن أستشيره بالموضوع لم أجد منه أي تعاونٍ أو إصغاء على الأقل
    و أرشدني إلى الحديث مع الدكتور علي مفتاح أو هشام خوجلي
    للعلم أثناء دراستي في الجامعة لم أدخل أي مبنى غير مستودع الكتب و مبنى السنة التحضيرية و مبنى التربية البدنية فقط
    حيث أني لم أكن أجد أدنى لذة للدراسة في الجامعة
    مما جعلني مجرد ضيف يمر مروراً سريعا من الفصل إلى خارج الجامعة بمعنى الكلمة
    هروبي من الجامعة هذا جعلني أتثاقل المرور على أحد الدكتورين
    أذكر أني طلبت مني زيارة الدكتور حسين العطاس المسؤول عن الرياضيات حينها فلم أزره لأهرب من الجامعة بأسرع وقت
    فوجودي فيها مؤقتاً كما كنت أخطط



    تعرفت على طالب من تخصص الهندسية الكيميائية
    من دفعة 2000
    تحدث معي بكل رحابة صدر
    الرجل دمث الخلق
    متميز دراسياً
    كان يرغبنا بتخصصه و كأنه سيناله نصيبٌ من مدفوعات دراستنا
    ألمحت له أنني أنوي مغادرة الجامعة في أقرب وقت فلا داعي للحديث عن التخصص فانتبه لتلميحي و تحدث معي بإسهاب
    كثيرون مروا عليه في دراسته الجامعية كان هذا تفكيرهم
    بعضهم لم يربح لا جامعة البترول و لا غيرها
    بعضهم رمى بنفسه في جامعة أخرى و ترك البترول لأنه لم يعلم حقيقة رغبته و قدرته
    بعضهم كان ينوي أن لا يكمل في الجامعة فلما أكمل أبدع و استمتع
    كثيرون يأتون من مدن بعيدة لجامعة البترول لما فيها من مميزات
    كثيرون يطردون من الجامعة و يناضلون ليعودوا
    هذا خلاصة ما قاله الرجل
    تعلق في ذهني بعضاً مما قال
    و ما زالت رغبتي دراسة الطب



    في تلك الأيام تعلقت بعائلتي بشكل كبير
    بوالدي خصوصاً
    كنت أرافق والدتي كثيراً و أستجدي رضاها في كل شيء
    سأرحل عنهما قريباً أحدث نفسي
    كنت مشتت الذهن أسرح كثيراً
    استمعت إلى نشيد إسلامي أعجبني كثيراً عن الأم في تلك الأيام
    ساقني إليه اليوتيوب قدراً
    http://www.mouslimtube.com/artists/%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%AF+%D8%A8%D9%88+%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%B1
    أهرب أحياناً من الشتات و النظر في وجوه أفراد عائلتي بالنظر إلى التلفزيون
    و مما يضحك و أتوقف عنده ... أنني في تلك الأيام شاهدت عدة أفلام كارتونية كانت كلها عاطفيه و منها فيلماً كارتونياً فيه شخصية معروفة تسمى " نيمو "
    لا أريد أن أسهب في وصفه لكن القصة كانت عاطفيةً من الدرجة الأولى و تأثرت بها
    للعلم التحقت بالجامعة في سن السابعة عشر حتى أني لم أكن قادراً على استخراج رخصة إلا في آخر الفصل الأول وقت الاختبارات
    و أذكر أني اصطدمت بسيارتي داخل الجامعة في أول يوم استلمت فيه الرخصة مع طالب كان في طريقه إلى أهله في المدينة النبوية فعطلته المسكين



    قررت أن أبت بالأمر و أن أصنع لنفسي خطة أسير عليها
    فقررت الآتي
    أن أنسى أمر الابتعاث امتثالا مطلقاً لأمر والداي ما دامت لدي فرصة للدراسة في الداخل
    أن أحرص على دراسة الطب في داخل المملكة في أي مكان كان
    حان وقت أول اختبار رياضيات major 1
    كنت أذاكر أمام التلفزيون من الدفتر فقط
    أقلب أوراقه و كأني أقرأ جريدة
    أنهيت المذاكرة في فترة ما بين العشاء إلى النوم في اليوم السابق للامتحان
    ذهبت إلى الامتحان في مبنى المعارض أو المسلخ كما يسمونه
    جلسنا على المقاعد و استلمنا أوراق الامتحان و ورقة الأجوبة
    أمسكت بالورقة أقلب عيني في كل سؤال
    تمكنت من حل السؤال الأول فقط حيث كان المنهج في بدايته مجرد مراجعة لما درس في المرحلة الثانوية
    الأسئلة المتبقية كانت صعبة جداً بالنسبة لي
    بعضها لم أتطرق حتى لمبادئه الأساسية أثناء المذاكرة
    لماذا وضعت نفسي في هذا الموضع !!
    أعلم أني لم أذاكر و أقنع نفسي بأن الجامعة مجرد مرحلة انتقالية مؤقتة
    انتهى الامتحان سلمنا الاوراق و انصرفنا
    ظهرت النتائج بعد يومين
    أسمع من زملائي من يسأل عن الأفرج !!
    من فرط عدم مبالاتي بالجامعة لم ألقي بالاً لتأثيره علي
    كنت أقل من الأفرج بكثير
    ذهبت إلى المعلم في مكتبه الواقع في المبنى القديم و انهال علي بكم من النصائح و أنا أضحك بداخلي
    المسكين هو وجامعته ألا يعلم أني سأتركهما



    محاضرات اللغة الإنجليزية كانت عالماً رائعاً
    كان يعجبني الاحتكاك بالمعلمين الأجانب أكثر و تعلم لغة جديدة أكثر من الاهتمام بالدرجات و النجاح
    علاقتي معهم كانت جيدة
    كان يشدني اهتمام بعض الطلاب و استماتتهم في الدراسة و الحصول على الدرجات
    الجامعة تجمع شتى الثقافات و العادات من مختلف أنحاء المملكة
    تعرفت على شباب من خارج منطقتي من الجنوب و الغربية
    مع الأيام بدأت أتأفف من عدم اهتمامي
    كان يجول في خاطري أن و إن كانت دراستي مؤقتة فثمة فائدة لي و إعداد للنفس بعد الانتقال لدراسة الطب
    قررت أن أركز على اللغة الإنجليزية و أن أحسن من مستواي في الرياضيات إكراماً للنفس على الأقل
    معلم الرياضيات كان يكثر من النصائح
    يذكرني بمعلم الرياضيات في الثانوية
    لكن بشكل عصري و أكثر تحضراً
    هل هي صفة مشتركة بكل معلم رياضيات ؟!






    و لنا لقاء بعون الله
    :وردة:
     
  14. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    في كل يوم
    أبحث عن لحظة رائعة
    أبقي بها في البال ما مررت به من ذكريات جملية
    و تمحو ما عداها
    أطياف ما كنت أخال أن البين سيمنعها من مزاورتي
    أرواح كنا نظن أنها في اقتراب و إذا بها تغادر قبل أن تقترب
    لا تبدو الأمور بالسهولة التي تمني النفس بها نفسها
    و لا بالتعقيدات التي صنعناها بأيدينا و سرنا نشتكي منها
    أراها أقرب ما تكون للبعثرة
    طرق من سار على أولها لا يرى آخرها
    مليئة بالإنعواجات و المنحنيات
    مليئة بالشوك و الأشواك و الأشواق و الورود
    لكنها كلها تأخذنا إلى محل واحد
    لعل فيه للقلوب راحةٌ بعد شقاء و عناء
     
  15. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    يتأمل الإنسان في حال مجتمع يعيش فيه
    يحمل الإنسان همه
    يكاد همه يمزق قلبه يرهقه أحمق يسميه آخرون
    يرى مجتمعه في حالة يرثى لها
    يحمل على عاتقه هم إخراجه من المأزق الذي هو فيه
    يتكبد المشاق و العناء
    يبدأ في رحلة محاولة التعديل رحلة تتطلب تضحية و تنازل طويلة كما يبدو
    يتفاجئ
    المريض هو الداء و هو الدواء و هو الطبيب هو الخصم و هو الحكم و هو كل شيء
    أيتركه و شأنه و هو ابنه
    أم يقاوم و يخسر حتى يربح آخرون
    آخرون ؟؟
    و هو جزء منهم إخوانه و أهله و أبناءه ربحهم ربح له و خسارته خسارة لهم
    يكمل طريقه
     
  16. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    عجبي منك يا دنيا

    كيف لا تتحق أدنى أحلامنا
    أستبقى حلماً لا نراها إلا في منام ... يتلاشى يوم أن نستيقظ ؟!
    كيف لا تصدقنا و إن كنا نكذب في أمنياتنا
    و إن غضضنا الطرف عن معظم ما لا نريد لننال جزءً مما نريد
    لا يكاد يبقى طعماً حلواً على اللسان حتى تغالبه مرارة ما بعده
    لا نكاد نبتسم حتى نستغرق في التفكير في قلق
    فاللهم لك الحمد و الشكر
     
  17. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    أعود لأكتب بقايا الذكريات
    بعد قرابة العام من آخر حلقة كتبتها
    بعد فسحة في حياتي رُزقتها
    و كتاباً أنهيت آخر صفحة فيه
    و كتاباً بدأت في تصفحه
    و خطوة للأمام


    :وردة:
     
  18. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    في جامعة البترول 2

    بعد نتيجة الإمتحان الأول شعرت بتأنيب الضمير
    شعرت بشيء من الإهانة أن أرى متكاسلاً
    أن يجتهد المرء فلا ينجح خير من أن لا يجتهد و لا ينجح
    فالتقصير و الإهمال في ذاتهما مذمومان في كل الأحوال
    و اكتساب المعلومة في أي فنٍ إن لم يزدك لن ينقصك
    و إن كان الطب خالٍ تماماً من أي فن مرتبط بالرياضيات ناهيك عن الرياضيات
    فإن أقل ما يمكن أن أكسبه من الإجتهاد في هذه المادة هو بعض المهارات التفكيرية و التفتقات العقلية
    لم يكن اول امتحان بالامتحان الصعب و جل عقبتي في أن أحرز درجة عالية كان عدم مذاكرتي
    قررت أن أرفع مستواي الدراسي في الجامعة في الرياضيات خصوصاً
    لا سيما و أن الطريقة التي كانت تتعامل بها الجامعة مع الرياضيات مختلفة لما كانت عليه مدارسنا البائسة
    من تحويل الرياضيات إلى مادة محفوظات و نصوص



    معلم اللغة الإنجليزية كان مهتماً بنا جداً لدرجة الخصومة معنا و رفع الصوت
    كانت عيناه تتسعان بشكل مريب و يبدأ بتمثيليات عجيبة و حركات جسد مفرطة ملفتة رغم شعره الأبيض الطويل و الشيب الذي كان يغطي أكثر من نصف وجهه
    كان كثيراً ما يفتح باب القاعة بقوة و يخرج من القاعة مهرولاً بطريقة مضحكة و هو يلقي بقدميه إلى الإمام و يقذف بيديه خلف ظهره واحدة تلو الاخرى و يرجعهما قاصداً غرفة منسق المادة ليشتكي له الطالب الذي احتدم النقاش معه
    تعلمت منه الدقة في المواعيد
    كان دقيقاً بشكل مذهل يكاد ينظر في الدقيقة الواحدة إلى ساعته اكثر من ستين مرة
    لم يكن معلماً فقط بل كان مربياً بمعنى الكلمة
    لكن في الواقع أن طريقة تربيته كانت تصلح لأبناء جلدته فقط و ليست لنا
    كان يستقصد الواحد منا بشكل ممل
    حتى إذا ما نطقت بجملة متكاملة جميلة انفرجت أساريره و ابتسم
    و لا يخفي علينا أن مراده من هذا التحقيق الذي قام به أن يرغمنا على مهارة التحدث باللغة الإنجليزية



    في الجامعة اطلعت على أحوال و أمور لم أكن اطلعت على شيئا منها من قبل
    كنت استمع الى بعضها في المجالس و الفصول الدراسية نصائح و مواعظ تُلقى علينا و لنتذكر نعم الله
    حتى كدت اظن ان منها ما هو محض خيال تم في عصور غابرة لا وجود له في ظل الرفاه الذي نعيشه
    في تلك الأيام أعني أيامي الاولى في الجامعة تعرفت على طالب كان يرسل لأهله ما يقارب الــ600 ريال من مكافئته شهرياً !!
    أوصلته بنفسي لأقرب صراف من الجامعة
    و كنت قد سمعت بمثل هذه الحالات و لم أصدقها حتى رأيت صاحبنا هذا
    ثم و لصعوبة وضعه المادي و كبر سن والده كما سمعت منه ترك الجامعة
    رغم أنه كان يملك عقلية في الرياضيات أكثر من رائعة
    و سرعة في الفهم و التعلم حتى لكأنه قد ذاكر الموضوع قبل أن يشرحه الدكتور
    و لا أرى إلا أنه قد خسرته الجامعة و مجتمعه كغيره من أن يكون مهندساً ناجحاً
    بعد اجتهاد في مادة الرياضيات و انكباب على حل مسائل الواجب و مسائل كل وحدة من المنهج
    و ملازمة لما يمليه الدكتور علينا و توجه لمكتبه لسؤاله عما استشكل بشكل مستمر
    ظهرت نتيجة الامتحان الثاني ... كنت الأعلى في الصف ... لم يتبقى على الدرجة الكاملة إلا درجة واحدة
    أبهرتني كلمة الدكتور ... Excellent ... و هو يشدد على حرفي الكاف و السين
    شعرت بنشوة النجاح و ثمرة الجهد
    أكملت طريقة المذاكرة نفسها حتى نهاية الفصل
    مر الفصل الدراسي الأول على ما يرام و تجاوزت فيه المواد كلها
    توجب علي أن أستمر باجتهادي حتى أترك الجامعة
    كنت أعلم أني لو استمريت على حالي الاول فلن أتجاوز الفصل الثاني لا سيما أن المواد تغدو أصعب و أصعب
    أذكر اني في آخر الفصل الأول
    جاءني اتصال من الرياض، من برنامج خادم الحرمين الشريفين
    يخبرني بأن أموري كلها جاهزة و يجب علي أن أرسل ما تبقى من أوراق عن طريق البريد الممتاز و استلام التذاكر
    أعاد لي الرغبة بدراسة الطب خارج المملكة
    كانت تحتضر الرغبة بالسفر بعض الشيء في داخلي
    و كنت أحاول أن أتناساها و أن أترحمها عليها فأكفنها في أقرب فرصة تموت
    خضت معه ببعض التفاصيل و النقاش و كأنني عازم على السفر غداً
    بعد الاتصال عدت إلى المنزل
    فاتحت والداي بالموضوع و أخبرتهم أني أزلت الفكرة من رأسي و لم تعد من خياراتي أبداً
    أخفيت ما بقي في النفس من رغبة في البعثة أمامهم استرضاءً لهم ... رغبة أراها تحتضر
    بقيت على فكرة ترك جامعة البترول و الانضمام لدراسة الطب في جامعة الملك سعود أو أي جامعة أخرى



    في الفصل الثاني الدراسي
    كان وقت الدوام طويل جداً و لم أعتد على مثله
    كان حتى الخامسة مساءً و فيه فراغات كثيرة ترغمك على المكوث في الجامعة و تجلب الملل
    زادت مادتا معمل الحاسب الآلي و مادة المعمل التي لا أذكر تفاصيل اسمها لكنها كانت في مبنى السنة التحضيرية القديم
    لم أحب شيئاً منها إلا جزء الأوتوكاد لذلك حريٌ بي ألا اذكر اسمها
    في الفصل الثاني مررت بمرحلة كانت منعطفاً في حياتي ما زلت أعيش ما بعد الانعطاف فيها
    كنت أقضي فترة ما بعد الساعة الحادية عشر و حتى الساعة الواحدة ظهراً في معمل الحاسب الآلي أمام الشاشة
    و وقتاً طويلاً من وقت مادة الحاسب الآلي باستراق النظر غلى بعض الصفحات أثناء شرح المعلم
    أتصفح صفحات الإنترنت
    في بداية الأمر لم أكن أتجاوز بعض الصفحات الترفيهية
    ثم بدأت شيئاً فشيئاً بالتدرج إلى الصفحات الإخبارية
    لا سيما أننا في تلك الأعوام كنا نمر بفترة هي من أزحم فترات القرن بالأحداث
    أحداثاً مؤلمة جداً
    كانت المجالس تعج بالأخبار و التحليل السياسي
    بدأت أتصفح بشكل يومي عدة صفحات إخبارية شهيرة
    و حتى بعض الأقل من شهيرة
    ثم بدأت أتدرج إلى عالم المنتديات الإخبارية و السياسية
    كان الوقت يمر سريعاً
    كنت أعود إلى المنزل لأسرد لهم أخبار اليوم و بعض الآراء و الأفكار
    بل أصبحت لا أتمالك نفسي أن أنقل لزملاء الدراسة و الأصحاب نشرة الأخبار اليومية من حصيلة ما قرأت
    لا سيما مع اكتشافي ميول بعضهم المشابهة و اطلاع بعضهم الذي لم أكن اعلم به
    بعض المواقع و المنتديات كانت قديمة جداً و معروفة عندهم كنت أراها أنها من اكتشافاتي
    بدأ يظهر علي اهتمامي بالأخبار و اطلاعي على التحليلات السياسية
    أصبحت أشاهد قناة الجزيرة و بعض البرامج الإخبارية بشكل مستمر و أتابعها
    كنت أعيش العالم بأسره
    فأتأزم أحياناً لبعض الأخبار السيئة و أفرح أحياناً لأخرى سارة
    و أبشر بها حتى بعض من لا يهم



    كانت تلفت أنظاري بعض التحليلات الإخبارية الذكية جداً من بعض المعلقين في بعض المواقع الإخبارية و بعض المنتديات
    كانت بعض الأخبار تنقل في بعض المنتديات قبل أن تنقل في بعض المواقع الإخبارية الشهيرة
    و أحياناً تنقل من موقع الحدث قبل أن تنتشر في وكالات الاخبار بيوم
    و أجدها في اليوم الآخر على القناة الإخبارية الشهيرة في شريط عاجل !!
    بدأت أنتقل من الاهتمام بالمواقع الإخبارية إلى المنتديات
    و أبقيت على متابعة مواقع إخبارية قليلة
    انتقلت من مرحلة البحث عن المستجد و الخبر و الاطلاع الى مرحلة متابعة التحليلات و الحوارات
    كان التنوع الفكري في المنتديات و الحوارات بمختلف انواعها و بعض التراشقات و الصراعات تأخذ كثيراً من وقتيً
    بعض الاختلافات كانت تستحق ذلك
    أرى أصحابها أهل غاية و هدف يدافعون عنه أياً كان لكنهم أصحاب وجهة نظر
    بعض الخلافات كانت على امور بسيطة و لا تدري ما الدافع الى الخلاف عليها
    كنت مجرد قارئ مطلع و لم يستهويني ان اكون جزءً منها و لم أود أن أكون كذلك أبداً




    و لنا لقاء بعون الله
    :وردة:
     
  19. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    يتبع قريباً ...
     
    • x 1 إعجاب إعجاب
  20. بقايا الذكريات

    انضم:
    ‏26 مارس 2013
    المشاركات:
    44
    التخصص:
    CHE
    الجامعة:
    KFUPM
    سنة التخرج:
    2013
    التقييمات:
    +25 / 0 / -3
    قبل أيام
    عادت لي الذكرى من جديد
    فجأة ذات فجر
    كأقسى ما تكون
    عادت هذه المرة بقوة لتجد لها ثغرة في قلب موظف و زوج و أب و ابن و أخ قد أثقله كل هذا

    تمنيت أن أرجع إلى العطلة الصيفية التي عقبت المرحلة الثانوية
    حين توجب علي أن أكون صاحب قراري المجرد، و لم أكن.
    تمنيت أن أرجع إلى السنة التحضيرية
    لأكون الأجرأ و الأشجع و الأكثر استقلالاً، و يا ليتني كنت.
    تمنيت أن أرجع إلى أول عطلة صيفية في الجامعة
    كي أهرب من هذا المحيط قبل أن أكبل نفسي فيه بيدي و بسلاسل من وهم.
    تمنيت أن سمعت تلك النصيحة، و لم أسمع تلك، تمنيت أني لم أسمع أحدًا، و استمعت لنفسي فقط.

    ما أقسى الذكرى إذا جاءت من بعيد
    ترجع بالعجز عن التغيير
    و بألم الحيرة
    و بقسوة الذكريات

    ألا قاتل الله اللياليَّ إنها
    تزاورني بالذكريات فتفزع
    و لو أن ذكراها تسر لصنتها
    و لكنها ذكرى تضرُ و تفجعُ

    حين تخرجت من الثانوية كنت أسير و أحدث كل من لقيت و هاتفت البعض أبشرهم
    انطلقت للجامعة التي كنت أظن أن مقعدي بها محجوز منذ صغري لي و هنا كانت الثقة المفرطة
    و دارت بي الدنيا حين منعتني 1% من الانضمام إلى حلم الحياة
    حينها دخلت في متاهات التخبط
    و مع فقدان المستشار الأمين و قلة التجربة في الحياة و عدم الاعتياد على اتخاذ قرارات مصيرية
    اضطررت لدخول الجامعة السنة التحضيرية!
    كنت قبلها قدمت على جامعة بلا سكن و بلا أي خدمات حولها و قبلت
    ثم ذهبت لجامعة أخرى بدون الشهادة الأصلية و رفضت لذلك
    ثم انسحبت من الجامعة الأولى لصعوبة العيش هناك
    ثم قبلت في الابتعاث لكن تجاهلته لرغبتي في البقاء قريباً من والدي المسنين !
    و بقيت في البترول على أمل أن أغادرها الصيفية القادمة

    و هنا، ليتني لم أجرب
    بدأت نزعة التحدي و المقاومة تطغى علي !!
    الحصول على أعلى الدرجات في هذه الجامعة الصعبة القوية !! حتى لو لم تكن حلم حياتي !!

    و في أول صيف توفي والدي رحمه الله
    فانكسرت تمامًا
    بدأت أعاني من آلام جسدية لم أشعر بها من قبل
    حتى الأطباء اختلفوا في تشخيصها
    طغت علي العاطفة
    و ظننت أن كل من أحب سيرحل في ساعة كما رحل والدي رحمه الله

    كنت أقضي أياماً لا أكلم أحدًا
    لا أعرف ماذا أفعل

    حلمي و طموحي
    كنت أشبه بالمتجمد تجاه التغيير من الجامعة
    خشيت أن أنسحب و لا أجد قبولًا في جامعة أخرى
    كنت أود أن أتوظف أي وظيفة و في أقرب وقت حتى أجد مادةً في يدي
    تخبطت و قل المعين و غاب المستشار الأمين

    يا لتني كنت حينها أشجع
    لأسحب ملفي و أصارع في أحد صحاري الحياة حتى أصل لطموحي
    و تبقى لي ذكرى جميلة
    لم يزدني القرب من الأهل شيئًا
    كل الذين خشيت أن يموتوا فجأة ما زالوا على قيد الحياة، و ماتت أحلامي
    كل الذين اضطررت للبقاء حولهم لأقضي وقتًا جميلًا معهم و ألبي حاجاتهم
    تناسوني حين وجدوا البديل
    و بقيت أشلاء أحلامي عالقة في قلبي لا تُنسى

    ألا قاتل الله العاطفة
     
    • x 1 إعجاب إعجاب

مشاركة هذه الصفحة