صور وفصول من حياة طالب البترول

ركزت في التدوينة السابقة على الجانب الدراسي من الفصل الأخير، ولكن ماذا عن الجانب الشعوري؟
كنت مستحضرا لحقيقة الوداع على الرغم من الشكوك الكثيرة التي تدور حوله، أذهب للمذاكرة في المباني الأكاديمية وأجيل النظر فيها وأستحضر أبيات عمر أبو ريشة:

قفي قدمي! إن هذا المكان
يغيب به المرء عن حسِّهِ

رمالٌ وأنقاض صرحٍ هَوَت
أعاليه تبحث عن أُسِّهِ

أُقلِّبُ طرفي بهِ ذاهلا
وأسأل يومي عن أمسهِ

أكانت تسيل عليه الحياة
وتجري المقاديرُ في نحسهِ؟

لقد انتظرت هذه اللحظة كثيرا ومللت الاستيقاظ صباح كل يوم للذهاب إلى الجامعة، ولكن لم تهن علي عشرة السنوات الست، لن أكذب عليكم، وجدت أن حزني للفراق طغى على فرحي بالتخرج، العزاء أن هذه سنة الحياة، لا بد من نهاية لكل شيء.

بعد أن ظهرت جميع الدرجات وتيقنت من أن تخرجي حقيقة لا تقبل الشك، اتجهت إلى غرفتي في السكن لآخذ ما بقي فيها من أغراضي وكنت قد تركتها في سنتي الأخيرة وانتقلت للعيش في شقة خارج الجامعة، دخلت الغرفة فوجدت قسمي الخاص منها في غاية الرثاثة، أخذت أقلب في الأوراق التي جمعتها على مر السنين، هذي ورقة لمادة الإنجليزي في السنة التحضرية وهذا اختبار لمادة الكيمياء في فصل 171 وذاك الملف الذي أخذناه في الأسبوع التعريفي، بدأت في فرز الأشياء، هذا سأحتفظ به أما هذا فالتخلص منه أولى، لم تكن هذه القرارات سهلة كما يبدو الآن لأن كل ما في الغرفة اكتسب قيمة عاطفية تُصعِّب علي التخلص منه، بعدما انتهيت من الفرز اتجهت نحو مكتبتي، لم أكن مهتما بالقراءة قبل أن آتي إلى هنا، أو لنقل أني لم أكن أعلم بأني مهتم بها، الآن أمامي ما يقارب المئة وخمسين كتابا، ليس هذا الشاهد، الشاهد أني مبتلش بأخذ هذه الكتب كما يقولون، أعانني أحد الأصدقاء على جمع الكتب ونقلناها إلى سيارتي مع ما أخذته من أمتعتي وعدت إلى الغرفة لأتأكد من عدم نسياني لأي شيء
فتحت الباب واتجهت عيني إلى قسمي الذي أصبح خاليا من كل شيء، تذكرت اللحظة التي دخلت فيها إلى السكن أول مرة عام 2016 عندما كانت الغرفة خالية من كل شيء ودار في نفسي ما دار من ذكريات الأيام الخوالي

غُفْلًا أتيناكِ لم تعلق بنا غُرَرٌ
ولا حجولٌ وإن رفَّت هوادينا

ذهبت في الغد إلى إدارة السكن وسلمت المفتاح وعزمت على مغادرة الظهران ولكن وجدت نفسي تختلق الأعذار
المقنعة وغير المقنعة للبقاء فيها ولم أتمكن من مغادرتها إلا بعد لأي شديد
كانت تلك الأيام شاعرية بكل ما تحمله هذه اللفظة من معنى

الآن لم يتبق لي سوى عودة واحدة فقط
العودة لإخلاء الطرف

 

استفتحت يوم الثلاثاء بهذه الرسالة التي طال ما انتظرتها (الصورة في الملفات المرفقة)
عدت إلى الجامعة يوم الأحد وأنهيت إجراءات إخلاء طرفي وتسلمت الوثيقة، هكذا بكل بساطة تمت فصول هذه القصة

غدا بإذن الله أباشر العمل في وظيفتي الجديدة فالحمدلله على منه وكرمه، لا أكاد أحصي عدد المرات التي بدى فيها اجتياز هذه المرحلة بنجاح أبعد من أي شيء.
والأكيد أن أيام الجامعة وذكرياتها وحكاياها ما تزال تختال أمام خاطري كل ما أطلقت للفكر عنانه، لذا سأحتاج لهذي الصفحة لأبث ما يدور في نفسي عن تلك الأيام عندما كنت -نسأل الله السلامة- طالبا ككثير منكم

إلى ذلكم الحين، أستودعكم الله

 

كلما فتحت جهاز العمل في بداية الدوام وجدت نفسي متجها إلى صفحة البلاك بورد لا شعوريا
يبدو لي أنها من الأعراض الانسحابية للتخرج

 

أقامت الجامعة معرضًا لمشاريع التخرج في نهاية الفصل الدراسي الماضي يحضر إليه الطلاب ليشاركوا فيه أفكار مشاريعهم مع بقية زملائهم
حضر رئيس الجامعة إلى المعرض مطوَّقا بجوقةٍ من أتباعه تتبعهم أرتال من كاميرات المصورين التي يعشقها سعادة الريّس وراح يطوف على الطلاب ليرى مشاريعهم، وصل إلى قسمنا فوجدني وزملائي في المشروع ماثلين أمامه، كنت واقفا بمحاذاة المنشور الذي يحتوي على شرح المشروع فطلب مني أن أعطيه "على عجالة" نبذة عن مشروع تخرجنا
شرعت في الحديث: فكرة المشروع كانت ........
قاطعني رافعا إبهامه وقال: Got It ثم سار متجها للقسم الذي يلينا!
لا أعلم ماهو القدر الكافي من قلة الأدب الذي يحمل الإنسان على الابتداء بسؤال لا ينوي سماع إجابته ولكني أعلم أن سعادة الرئيس يملك هذا القدر

وقف بعد ذلك أحد الذين كانوا يرافقون الرئيس في جولته المبجلة أمام قسمنا فترة يقرأ فيها ما كتب في المنشور فبادره أحد الزملاء بشرح فكرة المشروع واسترسل في الشرح، كان المرافق ينظر لزميلنا شزرًا طوال فترة حديثه ثم قاطعه ساخرا وقال:
Are you a KSU student?
أجاب زميلنا: لا
فقال له: The official language here in KFUPM is english!

"والأرض للطوفان مشتاقةٌ
لعلها من درنٍ تُغسلُ"