الخطاب الأخير - الشعوب أم الأنظمة؟

الخطاب الآخير (1)


______
قبل ما يقارب عقد من الزمن قال لي حكيم: “بأن الإنسان مثل الآلة، فإذا عملت الآلة كل يوم بأقصى طاقتها تحترق” …!

1

هذه الأرض لنا وستبقى لنا كشعوب .. ما تفعله الأنظمة هو مضاد للسنن الكونية، وستبقى بلا سند إذا استمرت على التفرقة بين الشعوب والتلاعب بالتيارات والصراع بين الأجنحة وانعدام وجود عمق شعبي حقيقي وغياب المؤسسات الدستورية.

"العنف" السلطوي رأينا نتيجته في عنف أفراد وجماعات.
فإذا أرادت العوائل الحاكمة البقاء فلا خيار لها سوى التقدم خطوة نحو الشعوب والسعي مع الشعوب لإعادة بناء عقد اجتماعي حقيقي وخارطة طريق للإصلاح الدستوري.

2

نحن كشعوب نتحمل جزءا من مسؤولية الوضع الحالي. انهيار المنظومات يعني فوضى اضطرارية ودمار للمكتسبات، وهذا الانهيار يحدث من خلال أحد أمرين: قوى تريد إسقاطه من الداخل أو الخارج. والأمر الثاني بقاء الوضع الحالي من الفساد والاستبداد والصراع على السلطة دون إصلاح جذري يلامس الجذور، لا شكلي للتسويق الإعلامي المحلي والدولي. وكلا الأمرين -بقاء الوضع أو قوى تريد الإسقاط- نتيجتهما واحدة، فوضى ودمار للمكتسبات، والأهم من ذلك نخشى من الدماء، فدم شخص واحد أعظم من الكعبة، وهو أعظم من أي أمر آخر بما فيها بقاء أو زوال هذه الانظمة، فالسلمية والإصلاح عمل استراتيجي لا بد من ترسيخهما والعمل بهما.

3

“النخب” في المجمل أثبتت فشلها، ومن المفترض الآن أنه قد تم تجاوزها، حيث أصبحت الشعوب هي من تتحرك بذاتها، وتحدد ما تريد دون واسطة، وبشكل مباشر، ولكن يظل للنخب دور في الخير والإصلاح وبناء الوعي، إن أرادت ذلك بدل أن يبقى معظمها في داوائر السلطة تحت أعذار المصلحة وعدم الفتنة؛ فمن أراد اعتزال الفتنة، ويرى أن هنالك فتنة ما، فلا ينبغي له البقاء مع الظلمة، فهو بهذا ليس معتزلا للفتنة، بل مشارك فيها بشكل مباشر أو غير مباشر على حسب عمله.

4

لا يوجد تعارض بين (مدافعة الظلم وأطر الظالم للحق) -كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام- و(الحرص على الجماعة)، فانعدام المصلحين هو الهلاك، والحرص على تفرقة الجماعة نتيجته الفوضى، والاجتماع يكون على العدل والشورى والاختيار، الاختيار من قبل الناس كلهم وليس بيعة تغلب وقهر وإجبار وشورى مدفوعة الثمن.

5

لا يمكن أن نوفي حق المصلحين الذين في السجون ، فتضحياتهم لأجل الإصلاح لا تقدر بثمن، ولو أرادوا مصالح خاصة لحصلوا أكثر مما أرادوا، لكن قرة أعينهم برؤية بلدانهم وقد صلحت، وأراضيهم زانت وازدهرت بالعدل والرخاء، وحصل فيها احترام للإنسان لكونه إنسانا فقط، بغض النظر عن جنسهِ وجنسيته وطبقته ومنطقته.

6

إن الإصلاح عمل تراكمي ؛ فأي جهود فردية أو جماعية تساهم فيه بشكل فعال، وقد لا يرى البعض النتائج، ولكنّ كثيرا من النتائج التي رأينها، وهي قليلة، في تخفيف الاستبداد وتفعيل بعض القوانين بشكل ولو جزئي هي نتائج تضحيات المصلحين. وحتى وإن كانت السياسية في العالم الواقعي دون أخلاق، فليس من حق أي أحد أن يسيء الأخلاق على الناس ودافعه رفع الظلم أو الإصلاح، فلا يمكن رفع الظلم بظلم ولا يمكن الوصول للعدل دون عدل مع المخالف.

7

بعد هذا الخطاب سأتوقّف عن الكتابة في المجال العام، سواء هنا أو في مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة المقبلة، وذلك لأجل ترتيب الأولويات ولإنجاز بعض المهام المتعثرة، وسأكتفي بنشر سلسلة (أوراق دستورية) بشكل شهري أو شبه شهري هنا، ضمن مشروع أبحاثي في القانون الدستوري، حيث سيكون محل تركيزي الأكبر، وسأنهي كل أعمالي في مجال حقوق الإنسان وذلك لعدم استيعاب الوقت لذلك، وفي اعتقادي لن توجد حقوق إنسان ولا احترام لكرامته ولا وقف للفساد والاستبداد وإرجاع للناس كرامتها دون إصلاح دستوري يحفظ حق الجميع في هذه الأرض.

أخيرا:

أعتذر لكل من أخطات في حقه دون قصد، وأتمنى أن يسامحني. علما بأني لم أسع لشخصنة أي موضوع، فكل قصدي الإصلاح وسأظل أعمل للإصلاح، وسأسامح كل شخص أخطاً في حقي إلا أن يكون من الظلمة أو أعوان الظلمة المباشرين ممن يعملون معهم فموعدنا يوم القيامة، إلا أن يحدث الله بعد هذا أمرا.​

____________________________________
(1) منقول عن المحامي ( عبدالعزيز الحصان )
- https://twitter.com/AHussan
من موقع (التقرير)
- http://altagreer.com/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%AD%D8%B1%D8%A9/%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1