السرعة الجنونية !!

خرج ثلاث شبان في عمر الزهور (السابعة عشر سنة)من دفء المنزل و حنان الوالدين إلى مدينة تبعد 250 كلم تقريبا ليستمتعوا بطلعة جميلة مع مجموعة رفاق آخرين و يتناولوا فيها وجبة عشاء و بالتأكيد كانت الطلعة ممتعة و كل شيء على ما يرام حتى رجعوا و لم يبقى إلا 25 كلم تقريبا عن المنزل و في الطريق رآهم أحد معارفهم و هم مسرعون سرعة جنونية قائلا لأخوه الأصغر هؤلاء أصدقاؤك.. و ما يلبث إلا دقيقة و إذ بهم متناثرون في الشارع إثر حادث مروري مروع!! إثنان على متن الطريق و الآخر بين طرفي الرصيف لم يره إلا بعد سماع صوته ينطق بالشهادة أتى إليه و إذ به يتنفس بصعوبة ليخرج الدم مع كل زفرة و ما لبث قليلا بعد نقله إلى المستشفى إلا أن يفارق الحياة إثر ضربة عنيفة بصدره على الأرض ،أما الشاب الثاني فيدخل في غيبوبة ليعيش شبه ميت بتنفس صناعي بسبب تهشم في الجمجمة و لا يلبث إلا يومين أو ثلاثة إلا و يلحق بأخيه ( رحمهم الله و أسكنهم فسيح جناته ) أما الثالث فيغمى عليه بعد نزيف داخلي و يلبث في المستشفى عدة أيام بتنفس صناعي أيضا و الحمد لله هذا لم يلقى حتفه حتى الآن - و الموت حق في أي سن كان- و لكن ما السبب يا ترى ؟؟
ببساطة إنها السرعة التي لا ترحم !!

ماذا تقول الإحصائيات-
وفقا لخبر نشرته صحيفة [العربية.نت] عام 2013 تقول أنه وعلى قول العقيد زهير بن عبدالرحمن شرف أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الأولى عالميا في عدد الحوادث المرورية و أن عدد الوفيات قد بلغ معدل 17 شخص يوميا أي شخص كل 40 دقيقة ناهيك عن الخسائر المادية التي زادت عن 13 مليار ريال سنويا و أضاف أنه في عام 2011 بلغ عدد الضحايا 7153 و هذا الرقم يفوق ضحايا حرب الخليج البالغ 5200 ذاكرا أن غالب أسباب الحوادث بسبب السرعة .

و في نظري أن من أكبر أسباب إنتشار ثقافة السرعة خصوصا و حتى استخدام الهاتف أثناء القيادة و غيرها من المخالفات المرورية في مجتماعتنا هو استثناء الذات غير المبرر من مخاطر كل هذا بسبب ما يتكرر من فعل لهذا السلوك دون حدوث أي من النتائج السيئة ، فنقول و بكل صراحة أنه قد لا يحدث لك شيء المرة تلو الأخرى لكنه و مع مرور الوقت قد يحدث لك حادثة واحدة من بين كل هذه كل هذه القيادات المتهورة لكنها قاضية قد تفارق الحياة إثرها، فلو افترضنا أنك ستسرع سرعة جنونية مئة مرة ثم تموت في الآخيرة أو تفقد أحد أطرافك فهذا كافي لتجتنبها ، و بلاشك فالموت مقدر و إن تعددت أسبابه لكنك ملزم باجتناب ما قد يؤدي إليه و ليس من الإيمان بالقدر في شيء أن نسير في طريق المهلكة و نقول لن يحصل إلا ماكتبه الله لنا ، فنحن نهرب من قدر الله إلى قدر الله ، و لو قيل أن أحدا سيجتنب المأكل و المشرب و الموت بيد الله فسندخله في قائمة المجانين ، و الأمر مع السرعة يبدو أنه طال و استطال حتى مع نظام ساهر ليبقى الوعي الذاتي بمخاطرها هو العلاج المضمون ، و قد يكون من أسباب السرعة الجنونية أيضا هو الثقة العوجاء و هذا هو بحق سوء الفهم ، ذلك لكون الحوادث المرورية لا تعتمد بشكل مباشر على مهارة السائق إنما تعتمد على طبيعة السيارة الخائنة التي قد تظهر للسائق أنها ثقيلة و متزنة فتدعوه للسرعة و فقط منعطف أو مسمار كافي لأن تفقد السائق السيطرة عليها و تلف يمنة و يسرة بعشوائية لتصددم بأي شيء ثم تتشقلب أرضا أو جوا مثل لعبة و بشكل لولبي بهلواني قد يؤدي إلى تطيير الركاب و بعنف شديد !!( و هذا تقريبا ماحدث للشبان الآنف ذكرهم )
فلنقارن فارق الزمن عند المشي بسرعة عالية و عند المشي بسرعة طبيعية، و لنعلل أسباب السرعة الزائدة و سنجد أنها غير مبررة أصلا في أكثر الأحيان أو على الأقل لأسباب تافهة إذا ما قارناها بالمخاطر .
فهل كففنا عن عن محاولات الإنتحار بنظرة واقعية للأمور و قرار حازم رغم أن البعض ينفر من القرارات الحازمة قبل أن ندخل في أرقام هذه الإحصاءات المرعبة ولات حين مندم .
و لنتذكر قول الله تعالى (( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ))