ذكرى طالب بترولي !

الساعاتُ الأولى من صباح يوم الثلاثاء ، اليوم الذي انفرد بدوامي المبكر واستمتع بتعذيبي وتلذذ به أيما تلذذ ، كنت ومازلت وسوف أطالب بحذف هذا اليوم من خارطة الأسبوع ...

نسمات الهواء الباردة تتسلل من فجوة النافذة التي فتحها روميتي وخيط رفيع من شعاع الشمس يخترق النافذة لينكسر وفقاً لقوانين الفيزياء 102 على جبهتي المسطحة ، أصبح الصُبح ومازالت أحلامي الوردية تعمل وتبلُفني بلفاً شديداً ، يتحول الوردي بين حين وآخر الى أسْود فاتح السواد قاتم البياض ..جو مثالي للنوم والدفرة ، سبحان من جمعهما في غرفةٍ واحدة ..

لم يعكر صفو المكان سوى صرخات جوال النوكيا 6900 ، يسميه العامة بالرهيب والرهيب رهيب يا اخي العزيز !!، رنّ الجوال رنة واتبعها باخرى واخرى ثم اخرى فاخرى ، انه الوقت المناسب لينتقم من صاحبه الذي كسر شاشته يوما ما من دون قصد . تتالت الرنات مع بعض الإهتزازات العنيفة التي جعلت فرائص الفراش ترتعد ، رفعت إحدى يداي بتثاقل ، بينما هي في الهواء اخترت منها اصبعاً وهويت به على زر الغفوة ... غفوت إلى مايقرب العشر دقائق من الزمان المتوحد المتجانس ، إسيقظت بعدها فزِعاً متأملاً مذهولاً كأشعث أغبر متجولاً بنظري في ارجاء الغرفة العتيقة التي ضحك الإسكان بها عليّ ، وقع نظري على ساعةٍ كنت قد اهملتها دهراً ووضعتها في طرف مكتبي الخشبي الايل للسقوط في أي لحظة ، فركت عيناي بكلتا يداي واحدى قدماي ، نظرت الى الساعة بعيون ناعسة بائسة ، وجدتها تمهلني دقائق معدودة قبل ان يبدأ البروفيسور محاضرته ويشرح لابه ويوزع اوراق كويزاته ، نفضت نفسي من على الفراش بخفة ولياقة عالية قلما نجد لها مثيلاً ، كدت من شدة حماستي ان اقوم بحركة بهلوانية صعبة تشبه التي قام بها الدعيع في ذاك الإعلان ، غيرت ملابسي بسرعة البرق وخفة الذرة ومباغتة الإلكترون ، استبدلت فالينة العلاقي باخرى ساترة نظيفة ، وسروال الرياضة الذي كنت نائما به بسروال سنة شديد البياض ، شكراً لمغسلة الفجر ، ألقيت نظرة مودع على الفراش واقرأته السلام وتمنيت له مالم اتمنه لنفسي ، لا أعرف كيف تَجَرأت يداي تلك الايام ، ايام الريجستريشن، ووضعت هذا الجدول الذي لايصبر عليه إلا أولي العزم من الدوافير ، يبدو ان العقل آنذاك كان غالباً على الراحة ، او إنها كانت حماسة المتدوفرين ؟! ، سحقا للتدوفر ......

لاب من صباح رب العالمين ، " مرة مايجي " (هكذا سولت لي نفسي بالقول) ، تركت الغرفة مسرعاً باتجاه الحمام قابلني نشمي من نشامى سراكو وقف في طريقي فاغراً فاه ألقيت عليه السلام فتلعثم ، يبدو أنه منبهر من نشاطي فمنذا الطالب الذي يستقيظ من ذاك الصباح قبل العصافير ، ...دخلت إلى دورة المياه ، بحثت عن الصنبور فلم اجده اعدت المحاولة مرة اخرى فوجدته امامي ، مازالت إحدى عيناي مغمضة ولا اعرف طريقة ناجعة لفك شفرتها سوى ضربها بمسواكٍ قديم في جيبي ، لم يبق على اللاب الشئ الكثير ، نظرت للمرآة رأيت مالم يسرني ، رأيت بشراً لم ار مثله من قبل ذو ملامح ليست بغريبةٍ عليّ ؟!.... شطفت وجهي بكميةٍ محترمةٍ من الماء حتى انفتحت كلتا عيناي واتسعتا واصبحتا كعيني زرقاء اليمامة ، شعرت بشئ غريب يتجول في فمي ويفقدني تركيزي اثناء تأملاتي في ملامح الواقف امامي ، كانت قطعة من الكراث عالقة بين اسناني ، يبدو انها من بقايا عشاء المطبق وسندوتش الشاورما بالأمس ، عليك الله ياسيد المأكولات....ودعت من كان ينظر إليّ في المرآة واقرأته السلام والتحية ، لم يرد السلام ، عدت لغرفتي وعاد هو الى داخل المرآة إلى اللامدى ، تناولت "مانوال اللاب" الأبيض والمكون من سبعين ورقة أو يزيد ، ألقيت به في حقيبتي المهترئة البالية ، نِعم الحقيبة هي ، لبست ساعتي ،جهزت زبيريتي المتشققة ووضعت مسواكي في فمي ، مضغته ومصعته جيدا حتى يتشبع بلعابي ويستعد ليومٍ حافلٍ بالإنجازات ، بصقت عن يميني وعن شمالي إيذاناً مني ببدء دوام يوم جديد .

اتجهت الى مواقف السيارات حيث ترقد سيارتي العجوز في قبرها هناك بسلام , فتحت ابوابها بعد عناء ، وضعت مفتاح السيارة الشبه مكسور في مكانه ودققت سلفاً ،أبت الشمطاء ان تعمل واكتفت بالعويل ، اعدت الكرة والفرة، لا اراه وقتاً مناسباً للنذالة ياهذه ، فتحت كبوت العجوز فانكشفت عورتها ، القيت نظرة فاحص على المكينة بحثت عن البطارية فلم اجدها ، زمجرت غضباً واغلقت غطائها ،و قطعت عهداً على نفسي باخذ دورة في ميكانيكا العجائز .....

" يمدحون المشي الى الجبل" عبارة طالما سمعتها ايام انتظار باصات اللاينات وحان وقت تطبيقها ، هرولت الى الجبل هرولة محب على الرغم من المشقة ...سحقا للتدوفر... وصلت متاخراً بضع دقائق وعدة ثواني واعشار من الزمن المتوحد المتجانس ، صعدت الى الطابق الثاني حيث يختبئ اللاب مثلما تختبئ الكهوف في تورا بورا ، لا احد في اللاب ، "سلامات" قلتها في نفسي تعبيراً عن الدهشة ، انتظرت بعد ان تأكدت من المكان واليوم والساعة والثانية ، انتظرت كما ينتظر الدوافير ،( الطلاب امثالي ينتظرون عشر دقائق ومن ثم ينصرفون بينما الدوافير ينتظرون نصف ساعة ثم يقفون خارج الكلاس واعينهم تتربص بالمكان خشية ان يأتي الدكتور فجأة ، إهبّ )، طال الانتظار يافتى ولم يأت احد...ياللورطة لقد خططت لنقش " البري لاب " من احدهم ، ولايبدو ان احدهم سيظهر عما قريب ... اخذت اجول في انحاء المعمل متفكراً متأملاً محللاً و معللاً سبب تأخرهم أو سبب حضوري الذي يبدو انه مبكر جداً... لعله اليوم الوطني يارجل ولادوام ...لو كان اليوم الوطني لأفصحوا عنه قبل مدة ولضجت الصحف بأخباره ولرأيت الحزام وقد تزين بالأعلام والشعارات ....انقطع خيط تأملاتي وتحليلاتي الرفيع بعد ان لمحت ورقة " السيلبس " وهي متكئة على جدارٍ في مقدمة المعمل .... اتجهت صوبها وامعنت النظر فيها بعينن زائغتين مازالتا تحن الى الفراش واهله ، بحثت عن لاب اليوم ، وجدته بعد مشقة و امامه عبارة مكتوبة بخطٍ عريض استفزازي " نو لاب ذيس وييك " ....."%@#" هذا ماقلته حينها ، اغرورقت عيناي الناعستان بالدموع ، اتكأت على الجدار بكلتا يداي ورفعت احدى قدماي للخلف في حركة عجيبة تعبيراً عن السخط واحتجاجاً مني على المدرس الذي لم يخبرنا ، خرجت من المكان مهرولاً مترنحاً متقوقعاً كل ذلك في وقت واحد، سبحان الله ، اعين الشامتين من عمال سراكو تلاحقني..... نزلت الى غرفتي مباشرة ادخلت مفتاح الغرفة في المكان المعتاد لففت المفتاح الى اليسار فانفتح الباب وانكشف ماكان يخفي خلفه ...... كل شئ كما هو روميتي مازال يغط في نوم عميق والهواء البارد لازال يتسلل الى الغرفة من تلك الفرجة ... القيت بالحقيبة على المكتب الخشبي ، ونزعت مسواكي من فمي بصعوبة بعد ان تعلق طرفه بين ضروسي المتخلخلة ، التفتُ الى فراشي ، وجدته يناديني على استحياء ،استجبت لنداءه من دون حياء والقيت بثقلي على غطاءه ومخداته التي تعكرت ببقايا المطبق .

=========================================================

ومضة:

التحقت بجامعة الفهد قبل اكثر من عامين ، تخللتها ايام مميزة لاتنسى اتذكرها بين الحين والاخر للتسلية وتجديد النشاط او لاخذ العبرة منها ، فيها المحزن و المفرح ومنها المبكي و المضحك لكنها تبقى ايام مميزة ومحفورة في جدار المخ والمخيخ ، وحتى لاتضيع تفاصيل هذه الايام بعد مرور السنين العجاف او السمان ، وتذهب حلاوتها والغاية منها يسرع البعض في تدوين تلك اللحظات المميزة وحفظها في كتب او دفاتر او على الهارد ديسك حديثاً ...

اقول ، ان لم يستفد الناس من ذكريات غيرهم ، فلتذهب الذكرى الى مزبلة التاريخ!

أبوعمير

 

أيها الأحبة ... يامن عطرتم المكان بأريج حروفكم و اخجلتموني بثقيل مديحكم ...اعدكم -بإذن الله- بالتعقيب على مااكرمتموني به من ردود في اقرب فرصة وسأمسككم نفر نفر وسديق سديق ....اعذروني الان

 

أشعر بفرحة تغمرني ونشوة نصر تتخللني وصدق مشاعر يقشعر لها بدني كلما طالعت ردودكم وتعليقاتكم على هذه الذكرى الهالكة الفانية الراحلة الى الأرشيف يوماً ما ...هنيئاً لي بقرّاء مثلكم يقدرون الطرب الأصيل @14@

الحب العميق :

أشعث أغبر مثلي لا يؤلف المؤلفون فيه كتاب ولاحتى مطوية ، اشكر لك مداخلتك

عصي الدمع :

رفقاً بنا ياعصي ، عن اي قلم سيّال تتحدث ، هو مجرد كيبورد طفح بالغبار وضاق ذرعاً بأنامل صاحبه المتوحشة ، شكراً لك

جمعان :

ولله درك انت ايضاً ايها الجمعان

كلمة السر :

ومن ذا الذي يدخل البترول ولا يشيب؟ ، تحياتي الوردية لك ايها الحلم!

الفيروزي:

لقد ظلمت الأستاذ جعفر مرتين الاولى عندما اخطأت في كتابة اسمه في ردك والاخرى عندما قارنته بلاشئ ، بارك الله فيك ،شاكر لك تعقيبك

أبوفهد:

عفا الله عنك ، لقد جعلت رأسي يكبر حتى صار كيقطينة حمراء في ليلة غبراء عند عجوز شمطاء ، اي تاريخ واي جغرافيا رحم الله والديك ، ان كان هناك من يستحق ان يدخل التاريخ فهو انت ، اما انا وامثالي فبوابة التاريخ لدينا محذوفة ، غاية طموحنا هو صحن من المطبق مع ثلاث قطع ليمون وواحد بيبسي حجم عائلي ولاتنسى قارورة الشطة النصف ممتلئة.

تحياتي لك ابا فهد

خريج مغبر:

شكراً لك ، وحبذا لو تشاركنا ببعض الذكريات التي لديكم كتلك التي في عام 93 ولا مشكلة ان تحدثتم عن ذكريات مغبرة من قبل الميلاد .

هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

أخوكم : أبو عمير - الاثنين -ثلاثة ابريل الفين وستة ميلادي-

 

ع ع ع ع بشحمه ولحمه و عيونه الأربعة هنا ...اكاد اسقط من على الكرسي ... اين انت يبن الحلال، لا اراك إلا مسنتراً عند ابي عزيز في خيمته البالية @14@ .... خذها مني وريح دماغك ، الراجل لن يعطيك زبيدة ولا حتى جوهر ولو جلست في خيمته ثلاثمئة عام وزدت تسعا .

تحياتي لك ايها الكيّس الكويس ...


أبو عزيز

ضاعت الكلمات وتفرقت المصطلحات وتناثرت اشلاء المفردات بعد رؤية تعقيبكم ...ان اعجبتك الومضة فهي حلال عليك...

 

القاموس لدي يعمل على منطقة واحدة ، فليترجم ابو عزيز ماكتب وله مني ومضة !!

 

إليك الومضة التي وعدت ، حتى انام ورقبتي نظيفة خالية من المعلقات والمغلفات

ومضة :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، كانت هذه ومضة واللي مايدري يدري