عرض مشاركة واحدة
قديم 24-11-2014, 21:03   #77
سامي البطاطي
عضو جونير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
الدولة: الرياض
المشاركات: 156
افتراضي

(12)
"عجوز في سكك المدينة"





في إحدى ليالي بورنموث المخيفة رأيت عجوزا قد أكل منها الزمن حتى رق عظمها فما عادت تقدر على المشي. وليس العجب من ذلك فهي سنة الله، خلقنا من ضعف ثم قوة ثم ضعف، ووكل الضعف الأول للآباء والثاني للأبناء. لكن العجوز التي رأيتها قد وكلت ضعفها الآخر إلى عربة تجرها بنفسها في ليلة مظلمة شديدة البرد. جلست أتأمل فيها، في وجهها الذي هده الزمن ويدها التي كانت ترتعش وهي تجاهد نفسها لتحرك عربتها حيث تخلى عنها الخليل وتركها القريب. وفي أثناء تأملي قلت يا ترى أين كانت هذه العجوز قبل 40 سنة؟ حينما كانت في عز شبابها، لربما كانت من أجمل نساء المدينة والنفوس تتزاحم إليها، ولا تتوسد مخدتها إلا وعشرات الرسائل في جوالها، والكل يتسابق لخدمتها ليظفر ولو بقبلة منها، الثناء قد اتخذ عند سمعها سكنا، لكن هذا الزائر ما لبث أن شد رحله وانتقل لغيرها عند أول شعرة بيضاء غزت رأسها. ظنت أن محبتهم لها كانت لروحها، وأنها باقية ما بقيت روحها تسري في جسدها، فإذا بهم قد تركوها وروحها، فجسدها الذي كان يسحرهم قد ولى، ونعومة وجهها التي طالما تغنوا به قد ذبل، ما عاد أحد يحملها إلا كرسيها، ولا أنيس يشاركها طعامها سوى كلبها، فقيمة المرأة عند قومها بقيمة جسدها، فكلما ازدادت سنا قل اعتناء المجتمع بها......... ثم تلاشت صورة العجوز فلم أعد أراها.

الحلقة القادمة: إن هم إلا كالأنعام!
سامي البطاطي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس