الموضوع: قصة بدوي كريم ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 13-10-2006, 13:16   #1
ابو عزيز
عميد المنتدى
 
تاريخ التسجيل: May 2003
المشاركات: 3,168
ناجح قصة بدوي كريم ..





في فصل دراسي سابق انقضى قبل عامين ونيِّفا .. وبعد آخر اختبار نهائي تجهزت للذهاب إلى رياض المحبة حيث ماما وبابا وعمو وخالو .. كان ذلك الاختبار مسائيا فلم أشأ السفر ليلا لأني سأدخل بيت أهلي قريبا من وقت السحر إن فعلت .. فعن ذلك نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم .. وما فعلت استحببته لأني أعلم أن أهلي أو بعضا منهم سينتظرونني أو سيقلقون علي .. سيما وأني أطلت غيبتي جدا .. فقررت تجهيز أغراضي بعد الاختبار الأخير .. وترتيب الغرفة وتغسيل المواعين بعده .. وأخوكم إذا جلس يرتب أو يغسل فهو يرتب من قلب .. << قلبنا عامي ، بس أحسن عشان يطلع الحكي بسلاسة ..

صليت الفجر ثم جلست أرتب الغرفة وأغسل المواعين وأرش الزوايا والسيسان بالفليت والبفباف .. وشبكت الرادو على إذاعة القرآن قبل ما أطلع .. قلت خله يونس السِّكِنْ << الشياطين .. في غيابي ..

حملت العفش ودقيت سلف ومحطت الموتر .. وأنا طالع على طريق الحسا توي متعدي مفرق طريق الجبيل .. ومير ألقى لي واحدن يأشر على الخط .. وأهدي وأناظر وجهه وإلاه ملتحي .. قلت يولد خذ ها الرجال معك خله يونسك << وأنا بالعادة ألقط اللي يأشرون على الخطوط بحثا عن الوناسة على الرغم من التحذيرات المتعددة اللي كلن يقلقني بها .. كنت مسرع فتعديته بمسافة .. أو بالأحرى ما عزمت على إني أوقف إلا بعد ما تعديته بمسافة .. قلت عود بس عليه يبو عزيز .. ولين المسافة بعيدة .. وأمشي على الكتف الأيمن عاكس الطريق وآصله ..

"وين يالحبيب .. ؟! "
" الحسا "
" أنا دربي الرياض .. مير اركب خل اقربك غدي تلقى احدن قدام .. "
"سم "

والله ويركب الرجال معي ولين موتري ما به بنزين .. ما فيه إلا قطرة أو جغمة ونص .. وأوقف عند أول محطة في طريق الحسا .. وقبل ما أنزل قزازة موتري أبي أكلم العامل .. نط علي البدوي .. وقال ..

" والله ان ما تحط ريال "
>> وجهي ضاع <<
"تعوذ من الشيطان"
" والله ان ما تحط ريال "
" أنت عزمت موتري .. لكن انا بعزمك .. وش تشرب .. ؟! "
" مالي في الشراب "
" والله ان تشرب .. الغازيات وشكلك منتب من اهلها .. مير وش العصير اللي تبيه "
" اللي تشوفه "

أنا من عبى لي موتري وانا مغيرن خط مسيري .. قلت والله لوديه للي يبي .. ذي كبيرة .. ناسن تعرفهم يركبون معك وبعضهم ياخذون سيارتك يقضون عليها لوازمهم وبعضهم يخربون فيها اشيا ولا يحطون فيها ريال .. وذا واحدن اول مرة تقابله يعبي لك وهو يدري انك منتب موديه .. قلت انا ما وراي شي .. الاجازة وطويلة والاهل ما يدرون عن موعد جيتي ..

وادز على طريق الحسا وهاتك سواليف .. بدوينا من بدو وادي الدواسر .. لكن اشهد بالله ان فيه مرجلة شيوخ القبايل ..

في ثلث الطريق الأخير تقريبا .. وتحديدا حول الاشارة اللي عند التفتيش اللي خارج البلد .. قال رفيقنا ..
" الغدا معنا .. غدا البيت .. مايدرون ان احدن بيجي ولا حاجة .."
" الله يغنيكم ويكثر خيركم .. غداي عند اهلي ان شا الله .."
" يرجال الناس ها اليومين طرحهم الله في العجلة .. امر الله من سعة .. تغد عندنا وتعش عند اهلك .. بتروح في اجازة .. والايام جاية .. بتحلق اهلك .. الغدا بس .."
" الله يسلمك ويعافيك .. انت خابر اللي مبطي عن اهله ما يصبر ولا يصبرون .. "
" القهوة .. القهوة .. وبتاصل اهلك على خير .."
" ان شا الله .. "

وصلنا البيت بسلامة من الله .. وقفنا عند البيت .. وجيت ادور لي ظل .. ابي البق الموتر فيه عشان معي اغراض تضرها الشمس .. ضحك علي رفيقنا وقال "اصفط بس اصفط .." ..

جيت ابصفط .. قلت خل افره عن الشمس خله يتلقاها واحط الشمسية وانسم القزاز .. جيت ابحرك ولين اخوه جا على تحريكتي وشافني وانا انزل اخوه .. نزل من سيارته وطمر علي ..
" والله ان تقلط .. والله ان تقلط .."
" ان شا الله .. ان شا الله .. ابلبق يخوي .. "

وانا في حرج وحالة استدعت الضحك .. وانا في عجب من ذرية تعيش لاولئك الكرماء النبلاء الاوائل ..

قلطت .. وانا حريصن على سلوم البدو وعاداتهم .. واقول الله يستر لا اجيب الطعه عندهم .. ولين مجلسهم كبر الجمنيزيوم ما شا الله << لا تصدقون .. بس كبير ..

تقهوينا .. وتشهوينا .. وجابوا لي طست << "طشت" = "بادية غسيل" لبن غنم .. انا انشرح خاطري يوم شفت اللبن .. ربما لا اكذب اذا قلت اني احتريه .. كنت اشرب لبن الغنم في الرياض اكثر من الما .. لدرجة اني اصطحبت معي جيكات اللبن في بعض سفراتي وبعض العزايم الخاصة .. واشرب .. واشرب .. واشرب .. ولا نقص من الطست الا شي يسير .. عطيت الغضارة << اللي هي الطست .. لمضيفي اللي على يميني .. قال ..
"اشرب .. "
"شربت الله يغنيكم .. "
"اشرب ما شربت .. "

واشرب .. من غير حيا .. وارده لمضيفي قلت "خلصت الله يغنيكم .." وكنه يبي يبتسم .. شرب وشربوا اخوانه اللي تقهووا معنا .. والظاهر ان شراهتي في لبن الغنم اللي يتعجبون منها اهلي مهيب شي عندهم .. فهمت منه ان ها الغضارة مهيب شي كبير .. يخلصونها بالراحة ..

على كل حال .. انا من شربت اللبن .. وانا اقول اركب موترك لا يلحقنا الظهر ثم وش يفكك من الغدا .. لكنهم اذهن مني ..

" والله ان تغدا .. بيذن الحين .. وغدانا والم .. وتراه غدا البيت .. "


صلينا الظهر .. وجينا للبيت وجلسنا نسولف شوي .. جابوا سفرتهم .. ثم جابوا الغسول .. وما ادراك ما الغسول .. ؟! .. طست مويه يغسل فيه الضيف يديه قبل ما يسمي .. من باب اكرام الضيف .. جابوا الغسول عندي في محلي .. الغدا غدا البيت ما فيها كلام .. يقطعون لي .. ويقربون اللحم الطيب .. وكل هذي علومن معروفة عندنا لكني استغربت اهتمامهم الزايد .. عادة تكون ها العلوم مع كبير السن أو كبير القدر .. وأصلا ها العادات قلت ممارستها بين الشباب .. نجدها بين الجيل الذي قبلنا في بعض افراده .. ونجدها بشكل كبير في الجيل الذي قبله ..

تغدينا ولله الحمد .. وبركت لهم .. جيت أبمشي .. قال رفيقنا ..
" قيّل الين العصر .. خذ لك غطة .. "
ضحكت ..
" غطيطة .. "
" أنا ما اعرف الغطة والغطيطة .. ولا اتعامل بها .."

نسيت اقول ان البدوي كان رايحن للدمام يبي يقدم على وظيفة في التحلية .. الرجال معه شهادة البكلوريوس في المتوسطة اللي جنب بيتهم .. عرضت عليه وعلى احد اخوانه انهم يعطوني ملفاتهم واقدم لهم في الرياض في مصلحة المياه حيث انها معلنة عن وظايف .. قالوا لي خذ الملفات وقدم لنا .. وانا كانها بتشغلك فمكانها معلوم .. يعني الزبالة الله يكرمكم .. قلت لا بالله الا بروح لمهم .. وبقدم لكم عندهم وعند غيرهم .. رحت للمصلحة وطلبوا حضور المتقدم شخصيا .. جلست الملفات في سيارتي عدة اشهر حتى تعتق وتحل البركة فيها فيحصل اخونا البدوي على وظيفة مدير بنك !! .. ثم نزلتها في بيتنا وهي موجودة الى الان .. وكنت بصراحة حريصا تلك الفترة على ان اجد ما يناسبهم واقدم لهم .. لكن ما الله كتب خاصة اني غادرت الرياض الى الحجاز في رحلة عمل << بلا نصب .. استغرقت الاجازة باكملها ..

ابرز سماتهم البساطة والعفوية والتعلق بالله واحسان الظن به .. اقول التعلق بالله واحسان الظن به لان الناس تعلقوا بالرواتب والوظائف وغفلوا عن ان الله هو الرزاق الذي عنده خزائن كل شيء .. والكرم الذي تحكيه هذه القصة .. هم عملة نادرة قلما وجدت في هذا الزمن .. لله درهم ..
ابو عزيز غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس